الأحد، مارس 30، 2008

عندما تتشرد البراءة


المترو "كلاكيت ثالث مرة"

الجو حار هذا اليوم , ارتميت علي الكرسي -الذي خلا لتوه- من فرط الاعياء , فلم اكن متعبة من الوقوف وانما من حرارة الجو المرتفعة. أغمضت عيني للحظات لأريحها من أثار الشمس , وفتحتها عندما سمعت همهمات من حولي تدل علي حدوث شيء أثار دهشة الناس مما جعلني افتح عيني لرؤية ما يحدث.

طفلة في حوالي الرابعة من عمرها , منكوشة الشعر , رثة الثياب والهيئة , حافية القدمين اللاتي كانتا متسختين بالطبع , وجهها لم يكن يختلف كثيرا عن ملابسها , فعينيها تكاد الافرازات تغطيهما , و أنفها الذي يتدلل منه المخاط ليصل الي فمها فتكمل الصورة.

تحمل بيدها علبة مناديل واحدة وتتحرك في صمت , تتنقل من راكب الي اخر في نشاط , تقف أمامه في صمت مادّة يدها بعلبة المناديل في الحاح صامت وناظرة اليه نظرة كافية أن تعلن عن ما تود قوله , وبملامحها التي شعرت انها لامرأة ناضجة تحمل هم سنوات الشقاء.

تابعها جميع الركاب وهي تتنقل من واحد الي اخر , فكانت تطيل الوقوف الي ان يتحرك مَن امامها معطي اياها ما تسعي من اجله.. بعض القروش , رافضة لان تتحرك اذا اعلن الراكب رفضه او عدم رغبته في شراء المناديل.

قطع تأملي لها صوت لشيء يتحرك علي الأرض , نظرت لأجد طفل صغير لم يكمل العام بعد , غالبا لا يزيد عن 8 شهور , ومظهره لا يختلف كثيرا عن الفتاة , كان يزحف بانطلاق علي أرضية المترو المغطاة بغبار الأحذية وكأنه باحدي غرف منزله , هذا ان كان له منزل.

فتاة تكبر الأولي بسنة أو اكثر قليلاً تجري خلف الطفل الزاحف لتلتقطه من الأرض قبل ان يفتح باب المترو في احدي محطاته فيدهسه احدهم تحت قدميه أو يسقط هو من الباب زحفا , تابعتها لأجدها تتجه لاخر العربة حيث تجلس علي أرضية المترو امرأة شابة اذا دققت النظر ولكن البؤس والشقاء والفقر يعطيانك انطباع بأنها امرأة عجوز. كانت تحمل علي كتفها طفل أكبر قليلا من الذي كان يزحف , وتربت علي ظهره في وهن وربما يأس.

تحولت بنظري مرة اخري الي الطفلة الأولي فوجدتها لاتزال واقفة في مكانها الذي تركتها فيه تتذلل لأحد الركاب وتستجدي عطفه بنظرتها البائسة وبيدها الصغيرة الممدودة امامها في مشهد جعل بدني يقشعر من الاحساس بمزيج من المهانة والذل والشفقة والغضب والحزن والكراهية.

للحظة اردت الذهاب الي الأم ونهرها لاهمالها لأطفالها واستغلالهم بهذا الشكل المقزز , ولكنني نظرت اليها فوجدتها هي الأخري مثلهم , مُهملة.

تمنيت أن التقط لهم صورة ولكنني أشفقت عليهم , فيكفيهم ما هم فيه من مهانة , فبالطبع كنت سأطلب من الأم قبل أن أفعل لايماني بحق الانسان واحترام ذاته ولكني تراجعت عندما اكتشفت عجزي عن جر ساقي الي حيث تجلس.

شعرت باني أكره كل من كان له يد في أن تتشرد ام بأطفالها الأربعة , وأن تتربي طفلة صغيرة علي فنون التسول بدلاً من ان تعرف معني العزة والكرامة, وأن تتحمل طفلة لم تكمل الخامسة مسئولية طفل مُشرد هو الاخر بدلا من أن تذهب للعب مع أقرانها.


مجرد سؤال

في رقبة مَن هؤلاء الأطفال الأربعة وأمهم؟

هناك 20 تعليقًا:

wanna b a physician يقول...

فى رقبة كل انسان سكت على الظلم والهوان وما قالش لآ واتسبب فى كدا وفى رقبة اللى ظلم

صوت من مصر يقول...

والله يا ريسه انا امبارح بس شوفت واحده ست بتسترزق قدام باب عماره اللوا الى فى شارع شريف عارفه الست دى فى خمس دقايق لمت 400 جنييييييييييييييييه
بصراحه انا ياريتنى كنت مكانها من غير خجل

نبضات يقول...

صباح معطر بالورد والياسمين
على فكره ...كلما ركبت المتروا تذكرتك واتسائل انتى بتركبى اتجاه ايه ؟ وباقعد اتامل الشخصيات فى المترو وقول ممكن نتقابل فيه صدفه واتخيل اى فتاه فى وجهها براءه وطيبه ورقه على انها ممكن تكونى انتى و انا مثلك فى المترو بحب اتامل فى شخصيات وتصرفات الناس لكن مش بركب المترو كتير

بالنسبه لتشرد البراءه مش عارفه ليه بيصعبوا عليا ولكن فى نفس الوقت بحس ان اغلب هؤلاء الناس بيمثلوا وطبعا اقصد الكبار وليس الصغار ولكن الصغار دائما افكر واحاول اتامل ياترى عايشين ازاى ؟؟
لكن المسؤل عن تشرد البراءه فهى اسباب متعدده ومختلطه وليس سبب بعينه
وانا اتمنى ان يكون فى مشروع او محاولة لانقاذ اطفال الشوارع من المخاطر اللى بيتعرضوا لها لكن ..لمن يريد فقط منهم ان يكون انسان محترم وعاوز يتعب ويبذل جهد لكى يكون افضل
لان ليسوا كلهم يستحقوا المساعدة فى ناس مش عاوزه تتغير ولا عاوزه تتعب

فى انتظار صدفه تجمعنا فى المترو

خالص تحياتى

سنووايت يقول...

wanna b a physician
لما سالت السؤال دا فيه ناس ردوا علية ان دا قدرهم وان ربنا لما خلقنا خلق منا الغني والفقير
دا رأي ودا اللي شفته علي اوجه الناس في المترو.
لكن ربنا جعل في أموالهم حق للسائل والمحروم , انا ما اعرفش اذا كانت الام دي فعلا محرومة ومحتاجة يمكن تكون بتدعي بس اللي يخليها تدعي اكيد هي الحاجة


صوت من مصر
انا طبعا مش بادعو للتسول في البوست وانا اعترضت علي الموقف واستغلال الاطفال بالشكل دا , لكن في نفس الوقت فكرت انها ممكن تكون مصدر رزقهم الوحيد
بس يمنك هي لمت 400 جنيه في 5 دقايق بس دفعت ثمنهم اد ايه من كرامتها!!


نبضات
تفتكري هتعرفيني فعلا :) اتمني اني اقابلك بجد هتبقي صدفة جميلةاكيد
.
معاك حق فيه منهم كتير بيمثلوا وفيه منهم عصابات لكنهم انتشروا بصورة كبيرة جدا في الفترة الاخيرة دي ومع الظروف اللي مجتمعنا بيمر بيها ما بقتش عارفة اذا كانوا فعلا بيمثلوا ولا محتاجين فعلا بقيت احس ان اي واحد بيسأل بيقي اكيد محتاج

الفارس الملثم يقول...

موضوع موجع يا سنووايت لكن الموجع اكتر ان السؤال التي طرحتيه سيظل بلا اجابة , فهناك كثيرون مثلها يجعلهم الفقر لا يكترثوا بفقد اشياء كثيرة ربما علي راسها آدميتهم ...

تقبلي مروري

كلية السياحة والفنادق يقول...

كالعادة أثرت في
كالعادة موضوعاتك هامة
وكما قيل : لايبالى الناس لم ظلم الظالم ولم ظلم المظلوم ولم سكت الناس على الظلم؟. أتمنى أن يتغير هذا الواقع المرير وأن يراعى الناس حق البراءة ولا يحولوها لتشرد.
وكان الله فى عون المظلومين والمتشردين
تحياتى لموضوعاتك الهامة وكتابتك المؤثرة
محمود

عروسة ننوسة يقول...

ليه بس الحاجات اللى توجع القلب دى

Hossam Nasr يقول...

السيدة الكريمة سنوايت

الموضوع جد خطير...وهؤلاء في رقبتي
أنا السبب!
بالفعل أنا أعني ما أقول
إنها مسئولية فردية على كل منا أن يتحملها
حكومة وشعباً
أعترف أن منهم من هو نصاب محترف ومنهم من بالفعل في حاجة إلى مساعدة...ولكننا لم نشق عن صدورهم لنعلم صادقهم من كاذبهم.
لكم تمنيت أن أستطيع أن أعيد أهل الصُفَّة مرة أخرى إلى سكنى خلف المسجد..حيث يقبعون هناك يسعون من أجل الكسب والعمل نهاراً ويأتيهم رزقهم من المساجد ليلاً.

شكراً لك هذا الموضوع الرائع والعرض الماتع

إحترامي وتقديري

صوت من مصر يقول...

والله فى الزمن ده الكرامه بقى فريق كوره فى سوريا واتنست لكن موجوده عندى وعندك وعند كل فقير

wael يقول...

الاطفال دول في رقبتنا احنا
في رقبتنا عشان سكتنا في رقبتنا عشان دكتور كشفه 500 جنيه في رقبتنا عشان محامي بيسرق من تعويض اسره مش لاقيه تاكل في رقبتنا عشان محاسب بيغش في تأفيل ميزانيته في رقبتنا عشان سمحنا لبعض نمد ايدينا في جيوب بعض بعدين مستغربين ان الحكومه بتمد اديها في جيوبنا
لهم الله عشانهم في رقبة ناس مش حاسه بأي حاجه
اسف جدا للتطويل

أحمد هشام يقول...

أحب أن أنقل هنا كلمات لفاروق جويدة :
اغضب ... فإنك إن تركت الأرض عارية
يضاجعها المقامر ... و المخنث . والعميل
ستري زمان العهر يغتصب الصغار ..
و يفسد الأجيال جيلا .. بعد جيل
و تري النهاية أمة .. مغلوبة
ما بين ليل البطش .. و القهر الطويل
ابصق علي وجه الرجال ..
فقد تراخي عزمهم
و استبدلوا عز الشعوب
بوصمة العجز الذليل
كيف استباح الشر أرض ..
و استباح العهر عرضك ..
و استباح الذئب قبرك ..
و استباحك في الوري
ظلم الطغاة الطامعين ؟!

Rania Lelah يقول...

مش هعرف اقول فى رقبه حاكم مش حاسس بولاد بلدة
و لا هعرف اقول انهم فى رقبه حكومة بتشرق خيرات بلدى
و لا هعرف اقول انهم فى رقبه الشعب و كل واحد فينا
لاننا لا حولى لينا و لا قوة
و ارجع و اقول ليهم ربنا
الى عالم بحالهم
و هقول بردة امتى بقى هنفضل كدة زعلانين و مش عارفين نتحرك
منقوطين و لاعارفين حتى نتصرف
سلبين و بس بنعيط

مودتى

ساعد نسرين الايمن يقول...

سيدنا عمر بن الخطاب قال

والله لو ان بغلة تعثرت في بلاد العراق لسالت لماذا لم امهد لها الطريق

طبعا ذنبها في كابس علي حكم مصر ده

واحنا اكيد نتحمل جزء من المسئولية
بجد لازم نعمل ليهم حاجة
والله دول بيقبي فيهم اذكياء اوي

علي فكرة انتي مش رديتي
هو انتي بتركبي في انهموا اتجاه فعلا

ويارب اقابلك زي ميس م كده

ساعد نسرين الايمن يقول...

اه نسيت اقولك
انا دخلت عندك النهاردة عشان حسيت ان مدونتك وحشني اوي
وكنت عايز حاجة شبههي

فشكرا ليك دائما
وربنا يبارك لينا في قلمك

د/اجدع بنوته يقول...

ف ذمة ربنا

يرزق الدوده ف الحجر

وف رقبة الراعى بتاعنا

اللى مش عارف يوفر ل 90% م الناس

اكل نضيف او ميه نضيفه او حتى هوا نضيف

raspoutine يقول...

في رقبة مَن هؤلاء الأطفال الأربعة وأمهم؟

فى رقبتى انا وانتى وانت وانتم
فى رقبتنا كلنا

Mohamed Hesham Safa يقول...

???

حمامة يقول...

بشوف كتير منظر مشابه
وبسأل نفسى ليه وازاى وامتى هيعيشوا بجد ؟ حقيقي حرام يعيشوا ويموتوا ف الشارع وزى ما انتى بتقولى يا ترى دول ف رقبة مين :( شىء محزن بجد

dr_modymodak يقول...

ربنا يتولاهم برحمته بجد ظاهره انتشرت بشكل مخزي للغايه

وفي رقبة ريسنا الله يرحمك يالفاروق عمر بن الخطاب لم يكن يهدا له جفن حتي يتفقد احوال رعيته

والحمد لله فعلا الواحد لما بيشوف الفئه دول بيحمد ربنا

بشكرك علي احساسك

Omar El-Tahan يقول...

شفتي فيلم حين ميسرة ؟؟؟

سيبك من اللي بيتقال عليه وشوفيه وبعدين ممكن نتكلم بعد كده ....

على فكرة .. المخرج بيعتذر في آخر الفيلم عشان ماقدرش يجيب الحقيقة زي ما شافها ... لأن الواقع أقسى بكتير ...