وكأنني أُولد من جديد

كل شيء يحدث كما تعودت دائما أن أحياه , بداية من التوقيت الشتوي ومرورا بالزينات المعلقة في الشوارع وبعض الفوانيس المضاءة في شرفات المنازل , رائحة "الفول المدمس" و"التمر" , صوت اذان المغرب بصوت الشيخ "محمد رفعت" ومدفع الافطار وبعض التمنيات "صوما مقبولا وافطارا شهيا".

تناولت بعض حبات التمر وشربت كوبا من العصير وبعض اكواب الماء والتقطت بضع لقيمات صغيرة حتي لا تمتليء معدتي اكثر من ذلك وقمت لصلاة المغرب وحمدالله والدعاء.

..

استلقيت قليلا علي فراشي لاريح جسدي المتهالك طوال اليوم , كما ان الجلوس في الظلام يساعدني قليلا علي التخلص من ذلك العدو الذي يلازمني أغلب الوقت "الصداع".

اين كنت انا منه واين كان هو مني , فلم يكن صديقا الا من فترة قريبة وهو صديق سيء يدرك تماما كيف يحول حياتك لجحيما لا يطاق , صار الصداع صديقي منذ فترة قصيرة أو طويلة لا أدري , بعض السنوات التي لم احسبها والتي لم أشعر بمرورها وانما فقط أعيش التغيرات التي طرأت فيها ومنها اختلاف احساسي بالشهر الكريم.

..

وحتي رغم تكرار نفس الأحداث ولكنني أجد نفسي لست قادرة علي استعادة نفس احساسي به. فقط أشعر بأثار تلك السنوات وماتركته بداخلي ربما بعض النقاط السوداء بقلبي وبعض الأفكار المظلمة بخزانة عقلي , أم تُري هي العشرات من الذنوب التي أثقلت روحي حتي صارت عاجزة عن التحليق كما كانت في سماء حرية النفس؟!

ربما كان مزيجاً من كل هذه الأشياء التي تراكمت شيئا فشيئا حتي صار التخلص من أغلالها من الصعوبات وانتهي بي الأمر بالجلوس في هذه الغرفة المظلمة محاولة استرجاع ما قد حدث دون وعي منيودون ادراك لأن العجلة تسير بلا توقف حتي وان لم ألمح مرورها أنا.. .

نهضت من فراشي وسرت قليلا في أرض الغرفة المظلمة ومددت يدي أتلمسه وأتناوله ثم أضعه أرضا بمنتصف الغرفة وأذهب لاحضار "شمعة".

..

وضعت الشمعه بمكانها المحدد وأشعلتها وجلست أمام فانوسي الرمضاني النحاسي الجميل أتأمل لهب الشمعه وهو يتمدد شيئا فشيئا لينير جدران الفانوس أولاً فتظهر عليه بعض النقوش الاسلامية الدافئة ثم يمتد ضوء الشمعه ليبدد ظلام غرفتي فتبدأ ملامحها في الظهور.

تلفت من حولي أتأمل التقاء ضوء الشمعه بأسطع الأشياء بغرفتي وبعض الظلال المنعكسة في لون خافت رائع أشعرني بمزيج من الدفء والراحة حتي التقت عيني بعيني في المراة علي جانبي فرأيت نصف وجهي مضيئا ونصفه معتما وكأن وجهي هلالاً يعلن بداية شهر جديد.

..

عدت لتأمل الفانوس أمامي وكأنه كرة سحرية تبعث بأنوارها في كل مكان لتجذبني اليها وتهديني في ظلماتي..

رفعت يدي بالدعاء وحمدت الله فلا زلت أستشعر بداخلي تلك الفرحة الطفولية وتلك الرغبة في العبث واثارة المرح , و لازالت ألمح بعض ملامحي الصغيرة التي تتشكل فرحاً أو حزناً ببراءة روح وليدة لم تعبث بها الأيام , ولازلت -رغم اختلاف احساسي- ألمس نفس الاحساس بداخلي فهو موجود ولكنه مُهملا , حمدت الله فقد شعرت بقدرتي علي أن أولد من جديد.

..

الان فقط عرفت سر الاختلاف فهو لم يكن حولي كما كنت أظن وانما كان بداخلي أنا.