مقدمة
-------
موضوع اليوم هو تدوينة لتسجيل بعض أفكاري ولتسجيل حدث معين أكثر منها مقالة أدبية. كان من المفترض نشرها قبل رمضان ولكن لم تسنح لي الفرصة , ربما تجدونها طويلة بعض الشيء ولكن أعد من يقرأها برحلة قصيرة بين عالمي الأحلام والواقع وبأفكار ربما تكون ذات معني عند البعض.
_____________________________________________
___________
___
كم هو رائع الجلوس علي شاطيء البحر نهارا للاستمتاع بلون مياهه الزرقاء وأمواجه المتراقصة الي الشاطيء وامتزاجها برماله الصفراء التي تعكس أشعه الشمس الذهبية.
عشقي للبحر لا يرتبط بتوقيت اليوم فها أنا أجلس أمامه ليلاً بعدما اختفي البشر منه وخلا الا من قليلين مثلي يعشقونه.
رحلت الشمس ولكنها لم تنسَ أن تترك بعض أشعتها ليعكسها القمر فتسقط علي سطح البحر المظلم لتظهره قليلا من أمامي فيبدو سطحه وكأنه مغطي بطبقة من الكُرات الصغيرة الفضية التي تزينه.
هدوء يلف المكان فقط أستمع الي صوت تسابق الأمواج واصطدامها برمال الشاطيء في حركة مستمرة متكررة تلهمني بعضاً من الهدوء النفسي والتركيز والتأمل.
علي الشاطيء أري بعض الزبد الأبيض المترامي علي أطرافه حيث تلقي به الأمواج برا ثم تعود وتأخذه في رحلة أخري داخل البحر.
أري الأمواج وهي تخرج وكأنها تحاول التخلص من سيطرة البحر عليها والهروب الي الشاطيء باحثة عن حريتها وعن بَرٍ تستقر عليه بعد رحلتها الطويلة في هذا البحر المتقلب , ولكن هيهات فما أن تصل الي الشاطيء حتي تعاود أدراجها مرغمة لقلب البحر فلا تتمكن من البقاء علي البر الا قليلا.
أتامل البحر من أمامي , مساحة سوداء ممتدة الي حيث ما لا نهاية , أحاول الوصول لأبعد نقطة فأجدني أصل الي نقطة تتلاقي فيها السماء بسطح البحر في عناق حاني حيث يتلاشي كل منهما في الاخر حتي أنني أكاد لا أفرق بينهما الا من خلال بعض النجمات التي تضيء السماء.
أتأمل النجمات قليلا , لطالما كنت أراها عيون السماء , فهي تري الأرض وتراها كل الأرض لتكون مصابيح في الظلام.
أبحث عن واحدة بعينها وأحاول التخمين أتراها هذه أم تلك..؟!أعتقد انها هذه المضيئة بقوة.
البحر لا نهاية له , هكذا كنت أفكر وبهذا كنت أؤمن.
----------------
أشعر ببرودة تلمس قدميّ , لقد استطاعت الامواج العابثة الوصول لقدميّ في رشاقة , انظر اليها وأراها وهي تتباعد شيئا فشيئا خلسة , وكأنها قد جاءت فقط لتفيقني من تأملاتي أو لتثبت لي انها قادرة علي التخلص قليلا من سيطرة البحر وفعل بعض الأشياء الشقية.
أبتسم لها وأتتبعها ببصري وكأنها تقول لي "تتبعيني لأدلك علي شيء ما" فأستمر في تتبعها حتي تتلاشي في مياه البحر فأجدني أنظر مرة أخري لطرف الشاطيء الذي يبدو امامي كشريط أبيض ثم تسقط عيني وتتوه في ذلك السواد الذي يمتد بامتداد البحر.
حقا لا أري نهاية البحر.. فهل مثلما أؤمن البحر لا نهاية له؟ ام انه من الممكن أن تكون له نهاية ولكنني لا أراها؟
أشعر وكأنني أتأمل حلماً من أحلامي يبدأ بخطوة بيضاء سرعان ما تنتهي بي في ظلمة لا أري نهايتها فأغرق فيها حتي الموت, موت الحلم أو موتي أنا.. أحيانا.
-------------------
صوت أذان الفجر يأتي ليبدد تلك الظلمة التي غرقت فيها تأملاتي وتلك النظرة السوداوية التي رأيت بها حلمي , وكأنه جاء ليجيب عن تساؤلاتي ويطمئنني.
كنت أسأل عن نهاية البحر والطرف الأخر وجاء الاذان ليذكرني بأن الله موجود في كل مكان هنا وهناك وبمشيئته أصل لنهاية حلمي والي الطرف الأخر بسلام.
-----------------
تأتي الشمس بعد قليل وتبدأ في النهوض من فراشها والقاء غطائها , لتظهر لي من خلف السحب تتثائب فتبدد ظلام الليلة وتعلن عن ميلاد يوم جديد بفكر جديد وقلب جديد , وكأنها استيقظت فقط من أجلي , حتي تريني البحر بلون غير الأسود الذي كنت أراه بالأمس , وحتي تريني أن هناك طرف أخر وشاطيء أخر علي الناحية الأخري .
فليس معني أن الظلام لم يمكنني من رؤية الطرف الأخر أو انني لا اراه ببصري انه غير موجود, فيكفي ان أؤمن بوجوده لأصل اليه ويكفي أن أراه ببصيرتي لأتمكن من الوقوف علي أرضه.
فربما كان هناك علي الشاطيء الأخر شخصا يجلس مثلي ويفكر ويتسائل مثلي عن الطرف الاخر الذي أجلس انا عليه.
------------------
أجلس الان علي الشاطيء أكتب تأملاتي وأسجلها بقلمي وقد بدأ بعض البشر في الظهور بجواري , تأتي أم بصحبة ابنتها الصغيرة وتجلسان بجواري.
لازالت الأمواج تعبث علي رمال الشاطيء تحاول الوصول لأي شيء لتلتهمه وتصحبه معها في رحلتها بقلب البحر.
يطرأ علي ذهني سؤال تُري أمن الممكن أن تمتد الأمواج لتسرق حلمي مني وتلقي به بعرض البحر فلا أحتفظ به معي ولا هو يصل الي بَر؟
-----------------
تفيقني مرة أخري بعض الأمواج العابثة الثائرة , فقد استطاعت الوصول اليّ واغراقي وأصابت ملابسي وبعض أوراقي بالبلل وكأنما تحاول محو كلماتي رغما عني.
وقفت في غيظ شديد أحاول تجفيف الأوراق بيدي فأتاني صوت من ناحية البحر , نظرت لأجد الأم التي كانت تجلس بجواري وهي تحاول عبثا اللحاق بحذاء ابنتها الذي سرقته الأمواج وحملته معها الي البحر.
نظرت لأوراقي وقرأت السطر الأخير وسؤالي الاخير الذي سجلته
"أمن الممكن أن تمتد الأمواج لتسرق حلمي...؟"
.
لم أشعر بنفسي الا وأنا ألقي بالأوراق علي الرمال الجافة وأهرول في اتجاه مياه البحر في سباق مع أمواجه وصراع استغرق بعض الدقائق القليلة وانتهي بخروجي منتصرة وبيدي فردتي الحذاء وعلي وجهي ابتسامة النصر , فقد استطعت انتزاع الحذاء من الأمواج وانقاذه من الغرق.
استقبلتني الام بابتسامة شكر وامتنان , سلمتها الحذاء وعدت لأتناول أوراقي وأسجل بها ما حدث للتو وبداخلي قلب جديد يرقص طربا وسعادة ويؤمن بوجود شاطيء علي الطرف الاخر من البحر ويؤمن أيضا بأحقيتي في الحفاظ علي أحلامي حتي أعبر بها اليه.
-----
الحلم..
بدايته أرض ونهايته أرض وفيما بين بدايته وتحقيقه بحر مظلم تحاول أمواجه سرقة الحلم وانتزاعه من بين يديك , فلا تستسلم ولا تقف مكتوف اليدين علي شاطيء أحلامك لأنك لا تعلم نهايته أو لأنك تخشي ما لا تراه فلعله كان خيرا ينتظرك.
______________
مطروح-الأُبيّض
28-8-2008