ولا يزال التغيير مستمر!

-1-

"التغيير: أحياناً يبني وأحيانا أخري يهدم وفي الحالتين يفاجئنا وفي الحالتين نستسلم ولا نعترض حتي يفاجئنا تغيير أخر ربما كان أشد هدماً من سابقه"

_

اثناء سيري في أحد الشوارع القريبة من منزلي والذي لم تطأه قدماي منذ فترة طويلة , فوجئت بهذا الكم الهائل من المحلات الجديدة والتي لم يكن لها أثر من فترة ليست بالطويلة.. سرت اتلفت يمينا ويسارا وعلي وجهي علامات الدهشة والاستغراب!!

**

سرحت قليلا محاولة تذكر شكل هذا الشارع قبل هذا الهجوم التجاري , وكيف كان هادئا وبالكاد تري محل أو اثنين علي استحياء. الأن تري المحلات متلاصقة وربما يباع بها نفس الاشياء.

**

من أكثر الأشياء التي لفتت نظري أيضاً اعداد الصيدليات المهولة. ففي شارع واحد يمكنك أن تجد واحدة في اوله واخري في الوسط وأخيرة في نهايته "هتشتري يعني هتشتري"

أوقفتني الصدمة..

في البداية حسبتني ضللت الطريق أثناء سرحاني , ولكني أدركت أنني في الطريق الصحيح , كنت أذكر وجود صيدلية في هذا المكان , صيدلية الدكتور "ك" كانت اول صيدلية بهذا الشارع ومن أقدم الصيدليات الموجودة بالمنطقة..

فكيف؟؟!

**

لقد تحولت الصيدلية في غمضة عين الي "مقهي" .. نعم الي مقهي يقدم المشروبات والشيشة وغيرذلك.

عندما سألت أخبروني أن دكتور "ك" توفي , وترك الصيدلية لابنه الطبيب الذي باعها لمن استغلها بطريقة اخري.

ربما هو علي حق ولا يلام , وكما يقولون "الحي أبقي من الميت" , ولكن بعض الأشياء تحمل لنا الكثير من الذكريات والمعاني وتظل قيمتها بوجودها , الا اذا حطمناها بأيدينا فلا يبق لنا ذكري , ولا يبق لنا تاريخا.

**

سألت نفسي سؤالا واحدا , لو عاد دكتور"ك" الي الحياة مرة أخري ليري صيدليته وقد تحولت الي مقهي , كيف سيكون رد فعله علي هذا التغيير الغير متوقع؟!

رحمك الله يا دكتور "ك" , ورحم أيامك وأيام الصيدلية التي عاشت سنوات وخدمت المئات.

ولن افاجأ في المرة القادمة اذا وجدت مركز طبي خيري وقد تحول الي "ملهي ليلي" فالأحياء أبقي من الأموات.أليس كذلك؟!

.....

...

..

.
-2-

"عندما يفاجئك التغيير لا تلُمه , بل أسأل نفسك : ماذا فعلت أنا لاستقباله أوالتكيف معه"

_

وقفت بشرفة المنزل أتامل الشارع , ورغم انني وقفت فيها من قبل الا انني لم انتبه الي شيء فاجئني جدا.

يوجد أمام المنزل المقابل لمنزلنا شجرة , أتذكر ان هذه الشجرة تم زرعها وانا بالمرحلة الاعدادية اي من ما يقرب من العشر سنوات , كانت قصيرة لا يتعدي طولها المتر ولا يتعدي عرضها السنتيمترات القليلة.. عندما رأيتها اليوم كان ارتفاعها يصل للدور الرابع وعرضها يزيد عن عرض العمارة , وفروعها تغطي عرض الشارع..

**

ما فاجئني هو ليس التغيير الذي تركته السنوات العشر علي الشجرة , بل كان ما فاجئني هو عدم ملاحظتي لهذا التغيير الا اليوم وبعد مرور 10 سنوات ورغم رؤيتي للشجرة كل يوم ومروري من امامها يوميا صباحا ومساءا طوال العشر سنوات الماضية..

**

أين كنت انا من كل هذا التغيير وأين كانت عيناي؟ّ!

واذا كانت الشجرة تغيرت كل هذا التغيير , وتفرعت بهذا الشكل الملحوظ , فهل تغيرت انا مثلها , هل تفرعت انا كالشجرة , هل امتدت جذوري الي الأعماق أكثر وأكثر؟!
أسئلة سألتها لنفسي وكانت اجابتها ... نعم

**

نحن نتغير , ونختلف , ولكننا لا نري هذا التغيير لأنه يحدث ببطء علي مر السنوات ولاننا لا نملك المراة الحقيقية التي تعكس لنا الصورة التي يراها من حولنا

ربما لاعتيادنا علي بعض الأمور في حياتنا بطريقة لا نلحظ معها التغيير الذي يطرأ عليها ,

وربما اهمالنا وتهميشنا للتفاصيل البسيطة والأشياء الصغيرة الجميلة من حولنا فلا نشعر بوجودها أو عدمه ,

وربما لسعينا الدائم للغد الذي ينسينا اليوم بلحظته التي نعيشها فلا نشعر بمرورها ولا ندرك قيمتها الا بعد أعوام من رحيلها عنا.

**

التغيير يحدث يوميا بل لحظياً , فكل لحظة تختلف عن سابقتها ولكن ادراكنا للتغير يختلف فاننا لا ندرك قيمة الأشياء الصغيرة ولا نهتم بها ولا نتحرك من اجلها بل نتركه يمتد لسنوات عندما يصل أثر التغيير للدرجة التي يصعب معها اغلاق أعيننا عنه , سواء كان للأفضل أو للأسوأ.

..