احدي ليالي الربيع القصيرة , وحرارة الجو قد ازدادت عن ذي قبل درجات قليلة علي الرغم من ان الجو لا يزال بارداً برودة تنتعش لها الروح.
أخذت تتقلب علي فراشها يميناً ويساراً , محاولة غلق عينيها, و استحضار احد المواقف الخيالية التي لطالما رسمتها وعاشت بها لتساعدها علي الدخول في اول مراحل النوم.
أبي عقلها واعلنت العصيان عيناها التي استطاعت فك اسر رموشها عنها أخيراً والتحرر من سيطرتها وفرض النوم عليها فاستسلمت و فتحت عيناها ناظرة الي سقف الغرفة , لم تستطع ان ترْ سوي ظلاماً يغطيه الا من خيط رفيع من ضوء القمر الفضي والمتسلل من خلال النافذة شبه المغلقة , والذي كان يتحرك مع حركة الستارة حيث كانت تحركها نسمات الهواء الرقيقة ذهابا وايابا.
ادركت انه لا مفر وانها ستقضي ليلتها هذه ككل ليلة, فقامت من فراشها وتوجهت الي النافذة وازاحت بيدها الستارة ووقفت تتأمل الشارع قليلاً.
_*_*_*_*_*_*_*_
كان الوقت متأخراً وكان الشارع خاليا الا من بعض السيارات التي تمر بين حين واخر في عجلة , تمر عليها مرور الكرام ثم تغيب عن عينيها سريعا , ككل شيء في حياتها.
الي أن توقفت احدي السيارات أسفل العمارة التي تقطن بها , ونزل منها رجل انيق في منتصف العمر أسرع لفتح باب السيارة الاخر لتنزل منه امرأة في ثوب لامع أنيق أيضاً ,حاولت رفع ثوبها قليلا لتتمكن من النزول وما ان لمست قدماها الأرض حتي مد لها الرجل يده لتستند عليها في حب وحنان فتشبثت هي بذراعه في سعادة وامتنان الي ان صعدا من باب العمارة.
_*_*_*_*_*_*_*_*_
كانت تراقب هي المشهد من نافذتها , وتبتسم في صمت , فعلي الرغم من انهم جيرانها الا انها لم تختلط بهم الا قليلاً وذلك لظروفها التي لا تسمح بذلك , فكثيرا ما دعوها للخروج معهما أو حتي قضاء وقت بمنزلهما ولكنها كانت ترفض دوماً متحججة بغيابه , فلم تشأ ان تذهب وحدها بدونه.
شعرت ببرودة خفيفة تسري بجسدها فحاولت ضم نفسها بذراعيها وتحريكهما في محاولة لتدفئة نفسها, ولمّا لم تنجح في ذلك اغلقت النافذة وعادت الي غرفتها مرة اخري.
_*_*_*_*_*_*_*_*_
أضاءت نور الغرفة فوقعت عيناها علي الحائط أمامها حيث رأت صورة زفافهما المعلقة.
نظرت اليها كثيراً , وأخذت تتأمله, هي حقاً تفتقده. تفتقد ملامحه , وصوته , تفتقد كلماته وضحكاته, تفتقد حتي حركته داخل المنزل.
حاولت اخباره قبل ذلك ولكنه لم يهتم. حتي انها في اخر مرة رأته منذ حوالي شهر واحد طلبت منه ان لا يتركها وحدها ابداً ولكنه تعلل بانها مَن طلب ذلك وكأنه يعاقبها علي طموحها واحلامها.
هي تعترف بانها من طلب منه السفر ومن سعي في الحصول علي هذه الفرصة من أجل رفع مستوي معيشتهما ولكنها كانت تخطط لأن تكون معه فلم تتخيل أنه سيسافر بدونها ولم تكن تحسب أن حياتها بدونه ستكون صعبة ومريرة كما هي الان .
وعدها بالمحاولة لايجاد فرصة مناسبة لتلحق به ثم عاد واخبرها انه من الافضل ان تبقي هي. علي الرغم من انه يزورها في اجازاته القليلة الا انها زيارات خاطفة سرعان ما تنتهي لتجد نفسها حبيسة أربع جدران.
_*_*_*_*_*_*_*_*_
توجهت لمكتبها وأخرجت قلمها و بعض الأوراق, قررت ان تكتب له عن كل ما تشعر به من وحدة ووحشة واغتراب وشوق وحرمان وخوف وانعدام امان, وان تحكي له كيف ان يومها يمر صباحه كَلَيْله وهي لا تجد من تحكي له او حتي من تستمع اليه , وكيف ان الليل يطول عليها مهما قصر فتشعر بظلمته داخلها وباعماقها, وكيف انها كلما سمعت جرس الباب اعتقدته هو فتجري عليه وتجري ليضيع املها عندما تري أحدهم أمامها , وكيف انها لم تعد ترغب في أي شيء سوي أن يظل بالقرب منها فقد اكتشفت في بعاده انه -بالنسبة اليها- اغلي من الدنيا وما فيها..
افكار كثيرة اعتقدت انها ستكتبها في صفحات وصفحات , ولكنها تذكرت انها أخبرته من قبل وطلبت منه ذلك بكل وضوح وبكل صدق ولكنه لم يهتم.
نظرت الي الورقة البيضاء وحاولت ان تكتب أي شيء فلم تستطع. كانت تخشي من رد فعله , من رفضه أو تجاهله لها مرة اخري فلربما قرأ كلامها ومزق الورقة أوألقي بها بأقرب سلة مهملات.
سقطت دمعة من عينيها الحزينتين لتسقط علي الورقة الخالية وكأنها تختصر كل ما تشعر به وكل ما كانت تود قوله في مجرد بقعة حزينة تتركها علي الورقة.
أخذت تفكر مجدداً في ما تكتبه , اخذت تبحث في عقلها عن كلمات تحرك مشاعره التي تجمدت في الغربة ثم عادت وأمسكت بقلمها كمن يحاول التشبث باخر أمل لديه حتي وهو يعلم انه وهماً , وقررت ان تكتب له رسالة واحدة..
"احضر فوراً .. أنا حامل"