الأربعاء، نوفمبر 12، 2008

الانسان..الروح والجسد


تعلمت أن الحواس خمسة:حاسة الابصار , حاسة السمع , حاسة الشم , حاسة التذوق , وأخيرا حاسة اللمس.
خمس حواس جسدية , ناتجة عن وظائف أعضاء الجسم المختلفة , أوامر يصدرها المخ وينفذها باقي أعضاء الجسم..أي أننا نتكلم عن ((الانسان الجسد)).
فماذا عن ((الانسان الروح))؟

هل هناك حواس روحانية؟!
وإن كان هناك بالفعل هل هي خمسة أيضا , هل الروح تبصر وتسمع وتشم وتتذوق وتلمس , أم أنها تختلف؟!

إن كلمة حواس مشتقة من (حس) , من (احساس) ولكن أي احساس أقصده؟

لقد تعودنا أن نستخدم كلمة (احساس) حين نتحدث عن العاطفة , أي أن الاحساس عندنا ممثل في العاطفة , أي أن الاحساس يتساوي والمشاعر , أي استخدام معنوي لوصف أشياء روحانية

فالعاطفة في تخيلنا شيء روحاني بحت , مفصولا كليا عن الجسد.
حتي إننا عندما نصف شخصا برقة مشاعره نصفه بالحساسية المفرطة فنقول انه (شخص حسّاس).

بالرغم من اننا عندما استخدمناه لوصف الحواس كما سبق , كان استخدام ماديا , لوصف أشياء جسدية , فالحواس الخمسة كما اتفقنا وظائف فسيولوجية يقوم بها المخ وسائر أعضاء الجسم.

عندما سألت نفسي.. هل الاحساس وظيفة فسيولوجية جسدية أم انه صفة روحانية؟
احترت كثيرا , فالاجابة في الحالتين "نعم"

فالحواس الخمسة وظائف جسدية , ولكن في نفس الآن الروح أيضا تبصر ولكن بلا عينين وتسمع بلا أذنين وتشم بلا انف و تتذوق بلا لسان وتلمس بلا أصابع يغطيها الجلد.

الانسان روح تسكن جسد , خُلقا معا -وان سبق أحدهما الاخر- ليمثلا معا وحدة واحدة , غير منفصلة , وحدة حية , تعيش وتقوم بسائر الوظائف الحيوية والروحية معا وفي آن واحد.

حين نتحدث عن الانسان من منظور واحد فاننا بذلك نظلمه , بل يمكنني القول اننا حينها لا نتحدث عن "انسان" وانما عن جماد بلا روح أو عن سراب بلا جسد أي عن "نصف انسان" كما أسميه أنا.

وتكون صدمتنا الكبري حين نخوض حديثا عن شيء غير مرئي , أي معنوي بحت.

كالمشاعر..الحب مثلا..

لأننا احترنا كثيرا في تفسير كينونته ومصدره ولأنه ارتبط دائما بأعراض جسدية ووظائف جسمانية كزيادة ضربات القلب وبرودة اليدين والأرق من شدة التفكير في الحبيب..الخ فقد حاولنا ايجاد مصدر جسدي له , شيء ملموس نراه , واتفقنا جميعا علي اختيار (القلب) ليكون مصدر ذلك الشعور العظيم.

وربما كان ذلك لان "القلب" في كل شيء هو أصله وأعمق أجزاؤه وأهمها ولذلك كان القلب دائما هو مصدر الشعور والعاطفة علي الرغم من أن المسئول الأول والمتحكم الأول في الجسد وفي القلب هو المخ. ومخ الانسان بتكوينه الأوحد هو ما جعله مميزا عن سائر الكائنات الحية التي هي أيضا روح وجسد.

عندما تسأل أحدهم أن يدعو لك بالخير ترجوه أن يكون الدعاء "من قلبه" أي من داخله , من بؤرة ومركز انسانيته و روحانيته. فلن تقول له مثلا "ادع لي من روحك" , لأننا جعلنا للروح مركزا متمثلا في القلب لنستطيع الوصف ولنتمكن من ايجاد نقطة تتجمع فيها الروح التي شاء الله أن تكون من أمره وأن تكون من الغيبيات التي لا نعلم عن ماهيتها شيئا.

أي أننا دائما نحاول طمس وتغيير معالم روحانيتنا ووصفها الدائم بصفات جسدية لأننا نجيد التعامل مع الجسد المحسوس ولكننا نعجز عن التعامل مع الروح الغير ملموسة.

ان الانسان في حاجة لنصفيه معا ليتحقق التوازن , ففي أقدس العلاقات التي جعلها الله علي الأرض , جعل الله في الزواج مودة ورحمة وأيضا علاقة جسدية وعقلية , من أجل تحقيق التوازن الانساني بين الزوجين ومن هنا جاءت (السكينة) التي هي مؤشر لنجاح العلاقة , أي راحة للروح وللجسد معا.
وأي خلل يحدث في هذا التوازن لن يخرج سببه عن اغفال أي من طرفي هذا التوازن , إما الروح وإما الجسد.

وهذا المزيج الروحي الجسدي يظهر في كل شيء في حياة الانسان , فالعاطفة يلعب المخ دور رئيسي فيها , وكذلك الحواس الجسدية والوظائف الجسدية فللروح دور كبير فيها..

وهذا يفسر الكثير من الأمراض (النفس-جسمانية) التي قد تصيب البعض , وهي أمراض تصيب النفس ويتداعي لها الجسد أي تظهر بأعراض جسمانية , كالاكتئاب الذي من الممكن أن يظهر بالام جسدية أوخلل في اجهزة الجسم المختلفة , وهذا من أكبر الأمثلة علي الامتزاج بين الروح والجسد أو النفس والجسد , فهما وحدة واحدة لا تنفصل ولا يمكننا مهما حاولنا أن نباعد بينهما والا قمنا بتدمير ذلك المسمي "انسان" واظهاره بصفات جديدة تفتقر الي صفاته الطبيعية التي خُلق بها.

وحتي الايمان , فهو ما وقر في القلب وصدقّه العمل , فأنت تؤمن بقلبك وروحك وتمارس الطقوس الدينية بقلبك وجسدك معا , فالصلاة ليست كلمات تنطقها وأفعال تؤديها وانما تشعر بها وتلمسها بروحك قبل أن تنطقها بلسانك الذي هو عضو من أعضاء جسدك.

ومن هنا صارت اعمالنا تُحسب بالنية الداخلية وليس بمجرد الفعل الجسدي , فشرط النية شرط أساسي لقبول اعمالنا , أي يجب ان يكون العمل نابع من ذلك المزيج الروحي الجسدي الذي تحدثنا عنه.

وفي عصر صرنا لا نؤمن فيه الا بكل ما هو مادي , أصبحنا نتعامل مع
"الانسان الجسد"
فصار كلامنا ليس أكثر من ألفاظ تتلفظها شفاهنا , وصارت كلماتنا خالية من كل ما يلمس الروح فينا , شعارات تُقال, أحاسيس لا تصل الي القلوب أو الأرواح وانما الي عقولنا, حتي صارت أرواحنا هائمة خاملة فقد تركناها كنبتة جفت اوراقها فما عادت تقوي علي شيء.

في عصر صرنا نتعامل فيه بأحرف الكترونية علي أجهزة الكمبيوتر و الهواتف الجوالة , وتلخصت فيه زيارات الأهل لبضع دقائق مجرد "اداء واجب" حتي لا يُقال ما يقال , بلا أي صلات روحانية مجرد تواجد بالأجساد في مكان واحد.

في عصر شهد الاف من قضايا الاغتصاب وقضايا اثبات النسب و أول قضية "تحرش جنسي" ترفعها فتاة ضد (نصف انسان) وما اكثرهم في زماننا, مجرد جسد يلبي نداءاته بلا أدني شعور منه بالطرف الاخر ومشاعره.

في عصر صار التدين فيه مظاهر مادية , شعارات أيضا , والله وحده أعلم بالقلوب.

في عصر صار الفن فيه مجرد ساحة لعرض الأجساد والتفنن في ابرازها بشكل تخجل منه أرواحنا وتختبيء عارا وخزيا, فحتي كلمات الاغاني وألحانها أصبحت خالية من كل ما يمس الروح ويحركها, بل كل ما يمس الجسد ويثيره.

في عصر ظلم فيه الانسان نفسه , فصار التعامل بنصف انسانيته , أما النصف الآخر فأظنني آراه وأبصره بروحي يحلق هائما باحثا عن جسد آخر ونصف آخر يسكنه ويمتزج به بعد أن صار التناغم بين الروح والجسد من الصعاب في عصرنا.


دعوة لكل انسان أن يبحث في داخله عن نفسه عن نصفه الآخر الروحاني وأن يتأكد من تواجده وامتزاجه بنصفه الجسدي , من أجل عودة "الانسانية" الي حياتنا وليس "النصف انسانية" التي صرنا نعيش فيها حتي اننا قاربنا علي حافة "اللانسانية" دون أن نشعر , ومن أين يأتينا (الشعور) بعد أن كادت تتخلي عنا أرواحنا؟!

..

هناك 17 تعليقًا:

لحظة تأمل يقول...

لا ادرى ماذا اقول
ولكنى منبهرة باسلوبك وفكرتك فى تجميع النصفين معا
فحقا ان لم يجتمعا لن يكون هذا هو الانسان الكامل الذى خلقه الله سبحانه وتعالى من روح وجسد

اتفق معك فى الدعوة الى البحث عن استكمال النفس وسابدا رحلة للتفكير مع نفسى لاتحقق من اكتمال نصفيها معا

تحياتى

momken يقول...

جميل تحليلك للموضوع

وتفصي الاحاسيس
وتميز النفس والروح والجسد

الموضوع مش ناس كتير بتكتب فيه لانه غامض
واغلبنا ميعرفش عنه حاجه

سردك جميل والفكره حلوة اوى

تحياتى

Unknown يقول...

السلام عليكم
تحياتي
أعتذر عن التغيب الطويل عن المدونة وعن مدونات الزملاء الأعزاء ولكن ذلك لأسباب سأذكرها يوم أعود إلى أرض مصر الحبيبة ويكون لدي متسع من الوقت لذلك لن أستطع الدخول للمدونة وزيارة المدونات الأخرى لمدة قد تكون أسبوع آخر أرجو من الله أن لا تطول المدة لهذا الحد
لم أكتب لدى أحد أي تعليق ولم أترك أي اعتذار إلا في أشد المدونات جذبا وقربا لي ولروحي أرجو أن تبلغي بقية زوار مدونتي الأكارم بعذري وإن كنت سأثقل بهذا عليك ولكن حبذا لو كان ملحوظة في بدء تدوينتك القادمة إن شاء الله

كل الود لك وأتمنى أن لا تنسيني من دعاءك فأنا في حاجته بشدة والله يعلم ذلك

أخوكي أو زميلك المدون ..كاتب مصري

تحياتي وخالص إحترامي لك

Dr. Ibrahim يقول...

تمام

وعندما يملك النبات حواس فإنه لايملك الروح التى تشير الى إنسانيته

فالنبات له إحساس للضوء والحرارة والماء

والهواء ويتحرك

ولكنه لا يملك الروح التى تجعله بشر

تحياتى

د/هيما

غير معرف يقول...

كاتب مصري
أنا كاتب مصري معلش لو كنت كده بأتقل عليكي لو مش هينفع يبقى خلاص خير بس بجد مدونتك وحشتني وهيا الوحيدة الي زرتها
كل ودي

صوت من مصر يقول...

الموضوع طويل قوى وكانه دراسه
بس جميل تسلم ايدك ؟

ايام العمر يقول...

موضوع جميل وهو دة الى الدنيا بقت ماشية فية او عشان ابقى دقيق الى عايزنا نمشى فية
الانسان الجسد من غير روح
وتسطيح الامور وبعدين انا نتهيالى انسان جسد متفرقش كتير عن انسان حيوان بس كفاية

سعدت بقراءة موضوعك

حـــــدوتـــــة يقول...

السلام عليكم

اولا بحييكى على اسلوبك الرائع والشيق فى الكتابة
وبغض النظر عن عمق الموضوع فقد تناولتى الفكرة بمنتهى السهولة
فعلا موضوع جميل اوى

سلالالالالالالالالالالالالالالالالالالالالالالالالالام

PrInCeSS BeRy يقول...

سنوايت ازيك يا حببيتى وحشتينى كتير ما اجمل كلماتك اللى بجد مش عارفة اعبر عنو قد اية وصفتة الروح والجسد فى الانسانية اسلوب ساحر عيشنى فى المود ابدعتى بجد تسلم ايدك يا قمر

عازفة الكمان يقول...

الموضوع غريب بالنسبه لي اول مره افصل الاتنين عن بعض الروح والجسد واجمعهم في الوقت ذاته

عــلاء ســالـــم يقول...

السلام عليكم

موضوع متميز بجد أحييكي عليه
فعلاً الروح والجسد تشبه القدمين اللتين يمشي عليهما الإنسان
فبدون أحداهما لا يستقيم مشيه
ونحن فعلاً نحتاج إلى هذه الدعوه لنعيد صباغة حياتنا بالشكل الصحيح
تقديري وإحترامي لكِ قلباً وروحاً

حزينه يقول...

الروح هى مثاليه الانسان الشفافه
الروح هى السمو

بوست جميل


حزينه

إبن مصر يقول...

السلام عليكم
اولا انا بعتذر على عدم دخولى وزيارتك فى الفتره الأخيره وده لضغط الشغل عليا
وثانيا كالعاده بوستاتك كلها جميله ومفوقه فيها على نفسك ماشاء الله عليكى
وكمان كنت عايز اعرف اخبار الإمتحانات معاكى ايه يارب تكون خير
دعواتى بالتوفيق ومزيدمن التألق

على فكره الروح هى اصل الجسد

انا رأى ان الروح والجسد لهم نفس الأحاسيس
تحاتى يادكتوره

Desert cat يقول...

انها رحلة البحث عن الذات التى لا تستغرق سوى بعض الوقت فى البحث عن قدراتنا ومكنوناتنا للوصول الى ارواحنا بكل سهوله ويسر
:)
مودتى يا قمرايه

معـــــتز هــاني سعد يقول...

بوست رائع ..فيه عمق وتأمل صادق..رائع

يا مراكبي يقول...

مع التطور المطرد للحياة الإنسانية بات الإنسان يبتعد أكثر وأكثر عن روحه ويقترب أكثر فأكثر من أن يكون آلة أو ماكينة .. جسدا بدون إحساس

ونتيجة لعدم التوازن بين الجسد والنفس نجد أن الخلل في المجتمعات المختلفة أصبح كبيرا جدا .. وذلك لأن الجميع منحرفون نحو أجسادهم بعيدين عن نفسياتهم

فالميل نحو أحدهما يؤدي للخلل .. حتى ولو ملنا أكثر نحو الأمور النفسية

Unknown يقول...

عارفة رغم ان الموضوع طويل
الا ان اسلوبك بجد شيق جدا
وعندك استطاعة انك تشدى القارئ