اليوم الأول
القاهرة-لندن-شيكاغو
((عندما خطوت خطواتي الاولي خارج مطار اوهير بشيكاغو , شعرت وقتها وكأن أحدهم ينقلني من فوق أحد أرفف الثلاجة الي أعمق أعماق الديب فريزر))
* * * * *
تجربة الطيران الأولي ليست بالضرورة أن تكون بمثل هذا السوء الذي توقعته , فلم اتخيل ان تكون بهذه السهولة والبساطة.ربما كانت الصعوبة في السفر وحدي وللمرة الاولي ولكن ليست في الطيران ذاته.
شعور جميل أن تنظر من فوق السحب لتري الأرض وهي تكاد تختفي من أسفل منك وأنت تعلو وتعلو فوق الارض وفوق السحاب, ورغم هذا الارتفاع فأنت لم ترتفع كثيرا عن الأرض.
القاهرة لا تختلف كثيرا ان نظرت اليها من فوق الارض او من فوق السحب , فالهواء الملوث بالأدخنة وعوادم السيارات وغيرها يحجب عنك رؤية اي شيء الا اللون الرمادي الذي يطغي علي أي لون اخر.
في مطار القاهرة سارت الامور بكل سلاسة ولكن لم تخل جولتي البسيطة به من بعض المضايقات والمعاكسات التي لم تشعرني الا برغبة حارة في مغادرة أرض المطار في أسرع وقت , وغير ذلك من الأشياء الخاصة بالنظام وعدم وضوح اللافتات وعدم وجود سلالم متحركة حيث تضطر اسفا لحمل حقائبك والصعود بها حملا علي كتفيك.
الغربة.. شعور ينتابك بمجرد ان تفارق أرض موطنك , بمجرد أن تسمع لغة اخري غير تلك التي تنطقها, بمجرد تعرضك لثقافة مختلفة غير تلك التي نشأت عليها , بمجرد أن يغيب عن ناظريك أوجه من تعرفهم جيدا وتري بدلا منها أوجه لم تألفها.
تجربة الترانزيت الأولي لم تكن هي الاخري بمثل هذ السوء الذي توقعته , فقد حالفني الحظ لتكون بمطار هيثرو (لندن) , مطار أحببت تواجدي فيه لساعات قليلة , فكل سبل راحتك تجدها هناك , ففيكفي انني لم أضطر لحمل حقيبة يدي واالصعود بها سلما واحدا , فاغلب السلالم هناك متحركة غير المصاعد التي تساعدك علي التنقل بأرض المطار بحرية وسهولة دون استفاذ طاقاتك.
لندن حين تراها من نافذة الطائرة تبدو وكأنها لوحة جميلة ابدع من رسمها , خطوط متوازية منظمة تفصل البيوت , اللون الأخضر الذي يغطي معظمها , فرق تستطيع ملاحظته بكل سهولة.
في رحلتي الثانية من لندن الي شيكاجو ادركت قيمة الكلام , قيمة التواصل بين البشر عن طريقه فانا لم انم لمدة تقترب من ال 24 ساعه قضيتهم وحدي بين السماء والأرض, وقتها ادركت معني أن تجد بجانبك من تتحدث معه , من يبادلك اطراف الحديث مهما كانت بساطة الكلمات فكم كنت في اشد الحاجة لمثل هذا الحديث , وقتها شعرت بمعني الغربة والوحدة وكم تمنيت لو عادت بي الطائرة من حيث اتيت , أفتقدت أهلي , أفتقدت أصدقائي , أفتقدت كل شيء و أفتقدت توأمي.
لم أستطع رؤية شيكاجو من الطائرة بوضوح فكنت قد وصلت اليها ليلا , فلم اتمكن الا من رؤية الأنوار فقط وان كنت قد استطعت ملاحظة النظام الذي وضعت به الأنوار لتبدو وكانها لوحة مضيئة.
في مطار شيكاغو الجميع يعاملك بود , يبتسم في وجهك , الموظفون يقابلونك بالترحاب ويعاملونك باحترام , شيء لم أجده في مطار بلدي.كان وجودي كفتاة مصرية مسلمة يدهش الجميع , فقد أكتشفت فيما بعد أن فكرتهم عن المصريين والمسلمين مختلفة تماما , وعلي الرغم من ذلك لم أجد الا أفضل معاملة كأي زائر اخر.
أذكر حين حاولت رفع حقائبي بعد فحصها وشعرت بثقلها فكدت تسقط مني , علق أحد الموظفين هناك بانني مصرية ومعروف عن المصريين أنهم أقوياء.
عندما خطوت خطواتي الأولي خارج مطار اوهير بشيكاغو , شعرت وقتها وكأن أحدهم ينقلني من فوق أحد أرفف الثلاجة الي أعمق أعماق الديب فريزر ,فقد علمت فيما بعد أن ذلك اليوم كانت درجة الحرارة انخفضت لدرجة لم تتعرض لها البلدة من سنوات مضت , وقد كانت المرة الأولي التي اتعرض فيها لدرجة حرارة تصل لحد التجمد.
من نافذة السيارة لم أري سوي الظلام وأشجار جافة علي جانبي الطريق , سيارات قليلة تسير في هدوء , اشارات مرور يحترمها الجميع علي الرغم من خلو الطريق امامهم , الطرق مخطوطة مقسمة الي حارات كل سيارة تلزم حارتها, أنظر في ساعتي لاجد الساعه لم تتعدي الثامنة مساء , أين البشر , أين الازدحام , أين أصوات الات التنبيه أين المارة الذين يعبرون الطريق فتصدمهم السيارات , أين أهالي البلدة , فاجائني الجواب "ناموا!!!!!!!!"