حسناً..
ها أنت عابسٌ بائسٌ كئيب.
أشعرت بالارتياح؟!
أنا لا أسخر منك , بل انني أتفق معك..
الحياة تبعث علي الحزن , وأكثر ما فيها -ان لم يكن كله- يُصيبك بالغثيان فلا تكد تشعر الا بتلك الغصة المريرة في حلقك.
ألا تدري أنني أشعر تماما بما تشعر به؟!
ألا تُدرك أنني أستطيع أن أري حزنك في عينيك الضاحكتين رغما عنهما؟!
الا تُدرك أنني أستطيع سماع نحيبك في تلك القهقهة التي تتعالي من فمك وكأنها صرخات استغاثة موجهة الي قلبي؟!
ألا تُدرك أنني أستطيع قراءة شكواك التي لم تخطها يدك وانما شكّلتها حروفك الحزينة رغما عنك؟!
لا تتعجب.. فأنا مثلك ومثلنا كثيرون ولكنك لم تُدرك بعد أين يكمن الاختلاف بيننا.
أعلم تماما أنك تحمل هماً وألماً , ومن مِنّا لا يفعل؟!
أحمقٌ أنت ان اعتقدت أنك وحدك من يفعل , فكل هؤلاء من حولك يحملون آلاما ربما فاقت آلامك , وجراحا ربما فاقت جراحك وعجزت أنت عن حملها.
لا تخدعك ضحكاتهم وابتساماتهم , فهي وسيلتهم المتاحة للتغلب علي هذه الآلام التي تغلّبت عليك وانتصرت حتي رفعت رايات الكآبة علي وجهك.
أوتدري لماذا؟
ليس لأنها أقوي منك , ولا لأنك كنت أضعف منها وانما لأنك فضلت الاستسلام لها , والخضوع لسلطانها الوهميّ.
لذلك لا تتعجب ان لم أتعاطف مع وجهك العابس , ولا تغضب ان لم أُبادلك عبوسك بعبوسٍ , وكآبتك بكآبة تزيد كآبتك , فلو فعلت لتحولت الأرض الي كتلة يائسة وليست يابسة.
فانني وان تعاطفت معك فسيكون من أجل ما أستشعره وليس ما أراه علي وجهك , فتجهمك يصيبني بالعمي المؤقت حتي أنني أضطر للنظر في الاتجاه الآخر حتي يرتد لي بصري.
أتدري لماذا لم تعد تري كل ما حولك الا عابساً؟
السبب الأول هي تلك الغمامة التي تغطي عينيك وفشلت دموعك في إذابتها , بل وزادتها سُمكاً وارتفاعا , من قال لك أن الدموع تذيب الأحزان وتداويها , خدعوك فقالوا فما هي الا مجرد مُسكّن موضعي لآلامك سرعان ما يتلاشي تأثيره المؤقت بجفافها.
السبب الثاني هو أن الأرض ما هي الا مرآة تعكس صورتك الداخلية , لأن الأرض التي تسير عليها تنتقل اليها اشارات من قدميك فتصيبها بالعدوي من فيروسات الكآبة التي تحملها روحك , ولأن الهواء الذي يُحيطك ويُلامس خلاياك يتلوث بما تحمله نفسك من تشاؤم ويأس أي أنك تتحول لمجرد بؤرة من الكآبة تنشر جراثيمها في كل مكان ليتحول العالم من حولك الي عالم ملوث بالأحزان وجراثيم الكآبة والبؤس فيرتد اليك ويصيبك بكآبة علي كآبتك وتفقد قدرتك علي الخروج من تلك الدوامة التي لا تنتهي.
ألم تشعر بعد بحجم مآساتك؟!
ألم تدرك بعد أي خطر تُمثله أنت و تجهمك علي الحياة وعلي البيئة المحيطة بك؟!
لا أطلب منك مستحيلاً أو شيئاً خارقاً , فطلبي بسيط ومُريح وتنفيذه لن يكلفك سوي جهد عضلي طفيف لتحريك بعض العضلات الصغيرة لتساهم في رسم ابتسامة علي وجهك وأوجه الكثيرين من حولك , فكما أن للكآبة جراثيم ضارة تنقلها , الابتسامة أيضاً عدوي مفيدة تنقلها بعض الكائنات الدقيقة الغير مرئية و الغير ضارة -بل هي مفيدة جدا- بين أنفس البشر وأرواحهم.
لذا أرجوك لا تلُمني ولا تتهمني بعدم الاكتراث لمشاعرك , فأنا أُُقدرها وأتفهم تماما ما يدور بداخلك ولأنني أكترث ولأنني أهتم لأمرك وأشعر بأحزانك فأنا لازالت عند طلبي ولازالت متمسكة تماما برغبتي وبحقي في أن أري ابتسامتك الظاهرية حين تراني وحين تتحدث الي و التي سرعان ما ستنتشر لتغطي كل ما حولك فتنعكس علي وجهي و عليك وعلي نفسك فتشعر بها أخيراً..شعورا حقيقيا بداخلك..
أنا علي يقين بأنك الآن تُدرك مقصدي وستفهمني حين أقول لك وأنت في غمرة أحزانك..
إبتسم..أرجوك..!
:)