السبت، أغسطس 23، 2008

الظِّــــــــــــــل..!!ِ



لِمَ كُلما حاولت الهرب

منـــــــــــك

وجدتُك خلفي

تطاردنـــــــي

تُلاحقنـــــــــي

وتقتفي أَثــــــــري

حتي صار الهروب منك

مُستحيــــــــــــلا

والخروج عنك

أُسطــــــــــــــــورة

والتحرك بدونك

من المعجـــــــــزات؟!
.
.
ولم كلما التفت

وجدتك أمامي
.
وعلي جانبي

تُكـــــــرِّرني

تُحيرني

فأراني

وكأنني أنظر في مراة
.
شفافة
.
غير زجاجية

أراك تشبهني

وان كنت لا أراك..

أو أراك

ولكنني لا أتمكن

من رؤية ملامحك..

أو أري ملامحك

فأضيع فيها

وأعجز عن المقارنة؟!

حتي صرت أنا من يتبعك

ويقتفي أثرك

ويطاردك
.
ويبحث عنك أحيانا

فوق الجدران

وعلي أرصفة الطرقات

وينتظر طيف قدومك

تحت أغصان الأشجار

وفوق صفحات النهر
.
.
أصبحت لا أعرف

كيف لا أُبصرك أمامي!

و قد صرت أستبصرك

بداخلي

و مِن حولي

بلا أنـــــــــوار!

أصبحت لا أعرف

ان كنت أنا

أنــــــــــــا!

أم أنني أنـــــــــا..

ظِلّـــــــــــــــــــــــــك!

الخميس، أغسطس 21، 2008

الرسالة الأخيرة!



كعادته الصباحية , ارتدي خالد ملابسه في عجلة وأسرع بالخروج من المنزل قبل أن يصحو أحد.هو لا يتناول افطاره بالمنزل , يخرج في الصباح ليعود في الليل. اعتاد هو واعتاد من يقيمون معه بالمنزل عدم رؤيته الا في بعض المناسبات.

همّ بفتح الباب في عُجالة ففاجأه شيئا كان في انتظاره , خطاب في مظروف وردي كتلك الخطابات التي اعتاد استلامها بين الحين والاخر.ابتسم في سعادة وأسرع بالتقاط الخطاب وأغلق الباب سريعا وسار في طريقه مهرولا



في الطريق أخذ يتأمل الخطاب في يده ويفكر في محتواه ، تري هل يأتي له بالخبر اليقين؟ تري ستعود قريبا لتعود له حياته من جديد ويهنأ باله ويستطيع أخذ خطوة جديدة في طريق مستقبله؟ هو ينتظرها منذ أكثر من خمس سنوت , خمس سنوات يحياها في عذاب بعيدا عنها , لا يواسيه سوي خطاباتها القليلة التي تخبره عنها وعن أخبارها وتطمأنه بأنها ستعود يوماً.
..
في الخطاب الأخير الذي أرسله لها منذ عدة أشهر أخبرها أنه يحتاج اليها ويشتاق الي كل شيء فيها , حكي لها عن شعوره بالوحدة والاغتراب في منزله وكأنه يعيش مع أشخاص لا تربطه بهم أي صلة , طلب منها أن تحاول العودة في أقرب وقت , وها هو الخطاب يحمل الرد في يده.


كان قد وصل الي مكانه المفضل , يأتي هنا كلما وصله منها خطاب , ففي هذه الحديقة راها للمرة الأخيرة قبل أن ترحل , هنا ودعها بقلبه, هنا رأي في عينيها حزن الدنيا لابتعداها عنه , هنا رأي نظراتها وهي تخبره كم ستفتقده وكم ستشتاق اليه , هنا مَدّ هو يده ومدت يدها لمصافحته قبل أن تفرقهما المسافات, هنا طبعت فوق جبينه تلك القبلة التي لايزال يشعر بدفئها حتي هذه اللحظة..

اتجه الي احدي الأشجار وجلس أسفلها وكله فضول وشوق لقراءة ما يحمله الخطاب من كلمات. أسند ظهره الي جذع الشجرة وبدأ في قراءة الخطاب:
...

"عزيزي خالد.. أُرسل اليك ردا علي خطابك الأخير وأعتذر عن التأخر في الرد فقد حدث ما لم يكن علي البال , فقد مررت بظروف سيئة في الفترة السابقة وكما تعلم كنت وحيدة في ظل كل تلك الأحداث السيئة وأخذت المصائب تنهال عليّ واحدة تلو الأخري..."

انتصب ظهره المنحني بعيدا عن جزع الشجرة , شعر بضربات قلبه تعلو حتي كاد يسمعها , للحظة تشابهت الأحرف وكأنه لم يعد يري شيئا , مسح وجهه بيده ثم أمسك بالخطاب مرة أخري بيدين مرتعشتين وتابع القراءة في قلق..
..
"..لن أطيل عليك بالحديث عنها فهي أحداث كثيرة يطول شرحها, ولكنني وجدت من وقف بجواري وساندني وكان لي العون علي تحمل كل الصعاب التي واجهتها هنا في غربتي , شخص يحمل قلبا طيبا وعقلا متفهما , استطاع أن يتفهم ظروفي ويُمدني بالأمل الذي كنت أفتقر اليه , استطاع بحنيته أن يُنسيني قسوة ما مررت به من قبل , باختصار وجدت معه راحتي وهو كذلك , أرجو أن تتفهم الموقف وتتقبله بصدر رحب يا خالد , فقد تزوجت منذ شهر واحد.."

انتصب واقفا هذه المرة , يترنح جسده يمينا ويسارا , شعر بقدميه غير قادرتين علي حمله , لا يصدق ما قرأه للتو , ما هذا الذي حدث , أين وكيف ولماذا؟ , حاول التماسك مرة أخري لانهاء قراءة الخطاب , فاستند بيده الي الشجرة وتابع قراءة الخطاب واقفا..

"..أعلم أنها صدمة بالنسبة اليك حاولت تجنبها طيلة فترة غيابي كي لا أجرح مشاعرك ولكنها الظروف التي أجبرتني علي ذلك كما انك الان لم تعد ذلك الطفل الصغير الذي تتحكم به عواطفه بل صرت شابا ناضجا قادرا علي تفهم الأمور ومواجهة حياته وهو ما شجعني لاخبارك , كل ما أطلبه منك عدم مراسلتي مرة أخري لأن بالتأكيد سيزعج هذا زوجي ونحن لازلنا بأول أيامنا سويا..
خالد..
أتمني لك حياة سعيدة ومستقبل ناجح وسوف أحاول أنا الاتصال بك للاطئنان علي أحوالك من وقت لأخر."
.
_______________________
.
ظل واقفا للحظات.. الخطاب في يده يحملق فيه كمن يراه لأول مرة , يحاول لملمة أفكاره من هنا وهناك , مرددا بعض الكلمات التي قرأها
.
"ظروف.. زواج..مراسلتي!!"
.
ثم أعاد قراءة السطر الأخير بصوت يسمعه
.
"وسوف أحاول أنا الاتصال بك للاطئنان علي أحوالك من وقت لأخر."
.
ترقرقت في عينيه عبرة صاحبتها ابتسامة سخرية علي شفتيه ثم صرخ كأنه ينهر أحدهم أمامه
.
"أحقاً.. أحقاً ستتصلين للاطئنان عليّ؟ّّّ!!!.."

أمسك الخطاب بكلتا يديه وانهال عليه تمزيقا.. قطعا صغيرة فأصغر فأصغر حتي تحول الي فتات في يديه ألقاها أمامه في الهواء وهو يصرخ في الفراغ من حوله..
..
"أنتظرك منذ خمس سنوات , خمس سنوات أتلهف لعودتك, خمس سنوات لا أعرف للحياة طعما من دونك , خمس سنوات لم يغمض لي جفن قلقا عليكِ وشوقا اليكِ , أشتاق الي ذلك الحضن الدافيء الذي لطالما ارتميت فيه صغيرا وحرمني منه أبي .
.
لماذا تتركينني الان وتتخلين عني وقد ظللتِ لسنوات مثال التضحية والحب وكنتِ بالنسبة الي الأمل الذي أنتظره لأحيا من جديد؟!..
..
لماذا وأنتِ تدركين أنني قاطعتهم كلهم من أجلك؟! , عشت غريبا في بيت أبي اعتراضا علي انفصاله عنك وانتزاعي من بين ذراعيك والأن توصدين في وجهي أخر باباً للأمل.. لماذا؟!

كان قد تجمع حوله عدد لا بأس به من زوار الحديقة , يراقبونه في فزع وهو يصرخ بعلو صوته ويتحدث الي شخص لا يرونه , أخذ يهذي ويهذي وهو يتحرك ذهابا وايابا في حركات جنونية ودموعه تكاد تُخفي وجهه الذي اشتعل كجمر مُتقد.. .....
"حسنا يا أمي.. أنا فعلا أصبحت شابا كبيرا , يكرهك ويكره كل مَن حوله , أنا لا احتاج اليك , نعم.. لا احتاج اليك فأنا شاب كبير لا يحتاج الي حنانك الطفولي الساذج , أنا شاب كبير يا أمي , أتسمعينني...أنا شـــــاب كبيــــــــر.."
..
وهنا فوجيء الجميع به يجثو علي رُكبتيه في وهن وكأنما أعياه الصراخ واستنفذ طاقته وهو يردد بهمسات تخنقها الدموع:
..
"أتـ سـ مـ عـ يـ نـ نـ ـي..أنا لست شابا يا أمــــــــــي وانما أنا فقط طفلُُُ كبير"

الثلاثاء، أغسطس 19، 2008

حلبة سباق غير مؤهلة


لم تكن المرة الاولي التي أستقل فيها السيارة , وربما لن تكون الاخيرة ان اطال الله في عمري بعد هذه اللحظة.
نفس الطريق , نفس السيارات ونفس البشر وان كانوا مختلفين في الشكل وانما السلوكيات واحدة.
دائما أشعر وكأنني في سباق حيث كل سيارة تحاول الوصول الي الهدف في أسرع وقت والفائز هو من ينجو بسيارته من هذه الحلبة الجنونية.
___________

الجنون
_
~نحتاجه من وقت لاخر , نثور به علي العالم الضيق المحدود الأفق , نشعر بقدرة وهمية علي التحكم وفعل اللا معقول , ولكن لا ندرك ابدا أن قد يكون ثمن لحظات من الجنون عُمر بأكمله..~

يسير علي سرعة مخالفة لما يتحملها الطريق , فاتحا النوافذ الأربعة للسيارة التي تهتز من جراء صوت الكاسيت الذي يصل صوته لنهاية الشارع ويزعج السائقين من حوله , يحاول تخطي السيارات من حوله..
هو فقط يعيش لحظات من الجنون..!
____________

الاستهتار
_
~يختلف هنا عن الجنون , فأنت تعلم القوانين جيدا وتجد لديك الرغبة في مخالفتها لانك لم تتعود الالتزام بأي شيء , ربما ايمانا بأنك فوق القانون , وربما محاولة لارضاء غرور نفسك أو اقناع مَن حولك بأفضليتك.~

يقوم بكسر الاشارة ويسرع فارّا بسيارته , تاركا من خلفه القانون حافيا علي قارعة الطريق يبكي قهرا من حرقته.
____________

قلة الذوق
_
~وهي شيء اخر غير الجنون والاستهتار , فلماذا تراعي غيرك اذا لم يكن غيرك سيراعيك؟ لن تكسب شيئا من مراعاة اشخاص لا تلتقي بهم سوي بضع دقائق علي الطريق.~

يكسر بسيارته علي ذلك ويأخذ مكان ذلك , لا يرفع يده من فوق "كلاكس" سيارته فهو الوحيد الذي يفهم في فن قيادة السيارات وكل مَن حوله أغبياء..!!
_______________

الحاجة
_
~تُجبرك أحيانا عن التخلي عن راحتك أو كرامتك وربما عن انسانيتك.~

ينتشرون بين السيارات هنا وهناك محاولين عرض سلعهم البسيطة الرخيصة , يُلحون قليلا فهي فرصتهم المتاحة لكسب الرزق , يتحملون الاهانات والمشقة في الجري هنا وهناك طوال اليوم , أتعجب من ذلك الذي يحلو له "الفِصال" مع هؤلاء علي بضعة قروش ربما لن تمثل له الشيء الكثير ولكنها ربما كانت حياة للبائع!
______________

العقبات
_
~هي كل ما يقوم بتعطيلك عن تحقيق أهدافك وفي بعض الأحيان يقوم "بتحطيمك"~

يسير بسيارته ليجد "مطب صناعي" كل بضعة امتار , وهي لاتشبه المطبات العادية وانما هي بمثابة بعض الهضاب أوالجبال وعلي سيارتك المسكينة ان تبتلع الصدمة في صمت وبلا أي اعتراض.
______________


ليست الازمة في الزحام أو في قانون مرور جديد وانما هي أزمة سلوكيات , وطرق غير مؤهلة وقوانين لا تتناسب مع طبيعة شعبنا الكريم.

في المرة القادمة سأرتدي بالونا مطاطيا لأتمكن من الوصول الي حيث أريد كما أريد في الوقت الذي أريد.

السبت، أغسطس 16، 2008

أكان حُلماً أم قدر؟!


أسرع خُطاه ليلحق بالقطار فقد كان علي وشك مغادرة رصيف محطته بالقاهرة. صعد اليه وحمد الله انه لم يتأخر أكثر من ذلك والا كان فاته القطار. سار قليلاً متخطياً بعض الواقفين حتي وصل الي مقعده , فوقف متسمراً في مكانه وبيده تذكرة القطار.

كانت تجلس في مقعده فتاة في العشرينات من عمرها ترتدي ثوب أسود ينعكس لونه علي عينيها الحزينتين, نظرت اليه محاولة الاعتذار

عذرا ولكن هل يزعجك اذا استبدلنا مقاعدنا , فأنا أفضل الجلوس بجوار النافذة؟
لم يجبها وانما ظل في مكانه بلا حراك, لا ينطق ولا يُحول عنها نظره فاستدركت قائلة :

حسنا , لم أكن أعلم ان هذا سيزعجك , تفضل

عندما همت بالتحرك من مكانها انتبه هو وردّ قائلا

لا لا تفضلي لا ازعاج في ذلك أبدا , يمكنني الجلوس في أي مكان

شكرته وجلست مرة أخري وجلس هو في المقعد المجاور متصلبا وراح في التفكير


هل من الممكن أن يحدث هذا؟ هو لا يصدق حتي الان انها تجلس بجواره بل وتحدثت اليه , المرة الاولي التي تمكن فيها من سماع صوتها ولم يحسب يوما انه سيتمكن من ذلك أبدا. لقد راها من قبل أكثر من مرة بالقطار , فمنذ ذلك اليوم الذي راها منتظرة علي محطة القطار وشيء ما جذبه اليها , ربما كان سفرها المتتكرر وحدها , وربما نظراتها التائهة التي يغطيها بعض الحزن , لم يدري وقتها السر في ذلك وهاهو الان في المقعد المجاور لها.. أيُعقل هذا؟

__________________

اختلس بعض النظرات اليها بطرف عينه فوجدها منهمكة في قراءة كتاب ما , حاول تدقيق نظره اكثر قليلا حتي رأي غطاء الكتاب , فذُهل أكثر من ذي قبل.. أيُعقل هذا؟ هي تقرأ نفس الرواية التي يقرؤها هو هذه الأيام! لم يكن يدري أيصدق ما يري أم أنه ربما يهذي من جراء سهره ليلة امس واجهاده في العمل.


مد يده بحقيبته وتناول الرواية وفتحها محاولا جذب انتباها اليه. وبدأ في قلب الصفحات واحدة فأخري وكأنه يقرأ وانما كانت عيناه في اتجاه اخر.لم تلتفت هي اليه فقد كانت منهمكة في القراءة , فحاول لفت انتباها اكثر والبدء في حديث لم يكن يدري كيف سينتهي..

هل أعجبتك هذه الرواية؟

فاجأها سؤاله , فالتفتت اليه في دهشة

لم انتهي منها بعد ولكن لا بأس بها

أشعر من كلامك انها لم تنل كل اعجابك

لاحظت هي وجود الرواية بيده فتعجبت من ذلك كثيرا وتوجست منه خيفة , فأجابت في حذر

القصة لا بأس بها ولكنني غير مقتنعة بفكرتها

ألا تؤمنين بالقدر؟

بالطبع أؤمن به , ولكنني لا أؤمن بالخيال علي أرض الواقع , والرواية تمثل واقعا بوجهة نظر خيالية

الواقع أحيانا كثيرة يحمل الكثير من الخيال

كان النقاش بينهما قد بدأ يحتد قليلا وتفاعل كل منهما مع كلام الأخر

القدر من عند الله اما الخيال فهو من صنع الانسان , أليس كذلك؟

نعم , صدقتِ ولكن لولا الخيال لما استطاعت عقولنا استيعاب القدر.

لم تٌجبه وانما أطرقت برأسها قليلا , فرأي هو في عينيها تلك النظرة التي كانت السبب في جذب انتباهه اليها من قبل , فاستطرد قائلا

هل تسمحين لي بسؤال قد يحمل بعض التطفل مني؟

نظرت اليه لحظات ثم أجابته في فضول

أي سؤال هذا؟

ما سر هذا الحزن الذي تحمله عيناكِ؟

وكأنه تخطي حاجزاً ما , نظرت اليه في استنكار وكأنها تقول له هذا ليس من شأنك , ولكن بدلا من هذا وجدت نفسها تُجيبه في هدوء وعلي شفتيها ابتسامة سخرية مخلوطة بألم

انه القدر

وهل لي أن أتعرف الي هذا القدر الذي استطاع رسم كل تلك معاني الحزن بعينيكِ؟

ربما انك لم تلمح السواد الذي أرتديه , حسنا فقد فقدت والدي ووالدتي في حادث منذ سنوات قليلة

صدمه ردها وأعجزه عن النطق لحظات قليلة , حاول بعدها الاعتذار

البقاء لله , اسف ان كنت ذكرتك بذلك ولكنني لم أقصد حقا

لا بأس فأنا لم أنس لتذكرني , هذا هو اليوم الوحيد الذي لن أنساه مهما حييت , لقد كنت معهما يوم الحادث وكأنني بقيت لأتجرع العذاب وحدي

هل كان حادث سيارة؟

نعم.. كنا في طريق عودتنا من الاسكندرية بسيارة أبي , وتوقفنا علي الطريق لشراء بعض الحاجيات , نزلت أنا وأمي وانتظرنا أبي في السيارة , ولحظة دفع حساب ما اشتريناه تذكرت أمي انها نسيت حقيبة يدها بالسيارة فتركتني وذهبت لاحضارها , ثم فوجئنا جميعا بصوت اصطدام يأتي من الخارج , خرجت لأجد سيارتنا محطمة تماما وكان ما كان

انهمرت هي في البكاء , وأصابته هو حرقة شديدة فقد شعر انه السبب في تذكيرها بذلك , أخرج منديلاً ومد يده لاعطائها اياه

انا اسف حقا , أرجوكِ لا تبكي , أشكري القدر الذي أنقذك من موت محقق , أرأيت أن القدر أحيانا يحمل بعض الخيال , خرجت انتي ووالدتك من السيارة وشاء القدر أن تعود هي وحدها , هل اذا قرأت قصتك باحدي الروايات ستقولين أنها قدر أم خيال؟

عجيب هذا القدر

نعم عجيب جدا.. أوتدرين شيئاً , لقد رأيتك مرات كثيرة بالقطار وكنت كلما نظرت اليك تسائلت عن سر حزن عينيك الي هذه الدرجة ولم أكن أتصور أبدا السبب , كنت دائما أتسائل عن سبب سفرك الدائم وحدك؟


نظرت اليه في دهشة , اذن ليست المرة الأولي التي يراها , تذكرت نفس الرواية التي كان يقرؤها منذ قليل وجلوسها في مقعده , ارتبكت قليلا ثم حاولت استجماع افكارها وأجابته

أقيم الان بالاسكندرية مع خالتي , ولكنني أحضر الي القاهرة من حين لاخر لزيارة والديّ ولزيارة منزلنا ودفع الايجار

وأيهما تفضلين.. الحياة بالقاهرة أم الاسكندرية؟

أنا أتمني ترك الاسكندرية فقد كان أخر يوم قضيته معهما هناك عند خالتي , ولكنني لا أستطيع الحياة في القاهرة وحدي

أنا أيضاً , لقد قررت الانتقال الي القاهرة اذا تزوجت لأكون قريبا من عملي , فهل تتخيلين أنني أستقل يوميا قطار السادسة صباحا من الاسكندرية الي القاهرة وأعود في هذا القطار , كاد اليوم أن يفوتني القطار ولكن حمدالله أنني لحقت به , لم أكن لأسامح القدر اذا لم ألحق بهذا القطار

ابتسمت هي له في تحفظ ونظرت في الاتجاه الاخر تجاه النافذة فبادرها هو بسؤال اخر

لِم اخترتِ الجلوس بجوار النافذة علي الرغم من انك لم تُزيحي الستار عنها ولم تنظري منها الي الان؟

لقد تعودت أن اجلس بجوار النافذة دائما , يشعرني هذا بالأمان قليلا

ولكن أجمل ما في السفر بالقطار أن تنظري من النافذة لتتأملي الطريق , البيوت مصطفة أمامك بأشكالها المختلفة بعضها يرحل الي الخلف ويأتي غيرها , تشاهدي الشمس وهي تغطي الأرض في حب ودفء والأشجار الخضراء وهي تتسابق الي عينيك والقطار في طريقه لا يخرج عنه ولا يتوقف أبداً

مد يده لازاحة الستار فاستطاع ضوء الشمس التسلل الي وجهها فأغمضت عينيها قليلا محاولة تجنبه , ثم بدأت في فتحها شيئا فشيئا و النظر من خلال النافذة , أما هو فقد كان يتأمل وجهها الذي أضاء مع أشعة الشمس الذهبية .

أخذ يحكي لها عن حياته , منزله وأهله , وعمله , كل شيء عنه .. وكانت هي تستمع اليه فقط ولا تجيب ,حتي راحت عيناها في النوم وجلس هو بجوارها يراقبها في هدوء وهو يسمع صوت أنفاسها.

لقد تأكد من ذلك الاحساس الذي شعر به في المرة الأولي التي راها بها , هو الان فقط يدرك انه لم يكن مجرد شعور خفي بل حقيقة يراها الان أمام عينيه ,بل واكتشف انها أجمل كثيرا من خياله.
______________________

وصلنا الاسكندرية , حمدلله علي سلامتنا

فتحت عينيها ونظرت من حولها لتُدرك أين هي ومَن هذا

لا أدري كيف نمت , انها المرة الأولي التي أنام فيها أثناء سفري بالقطار

نظر اليها في حنان وقال لها:
المهم أن تكوني بخير وراحة

شكرا لك

شكرا لكي أنتي علي هذا الحديث الممتع الذي لن أنساه مهما حييت ولكن هل لي ان أتشرف بمعرفة اسمك؟

قدر , فلنجعله قدر

حسنا كما تُحبين , اسمي نا...

فوجيء بها وهي تضع يدها فوق شفتيه
لا أريد أن أعرف
حسنا.. أسأراكي مرة أخري؟؟
فلنتركها للقدر
حسنا كما تريدين .. الي اللقاء
الي اللقاء

____________________

شهر مر وهي بالاسكندرية تفكر في ما حدث , لا تدري سر هذا الشعور الذي انتابها منذ ذلك اليوم , تتعجب منه تارة ومن نفسها تارة أخري , كيف طاوعته في الحديث الي هذا الحد؟ كيف سمحت له بتخطي حدود لم يتخطاها أحد أبداً؟ كيف استسلمت للنوم وهي تجلس بجوار شخص غريب وهي التي لا تطمئن ابداً للنوم في القطارات؟

حتي جاء يوم سفرها الي القاهرة , لقد أخبرها أنه يستقل قطار السادسة كل يوم , ارتدت ثياباً ملونة وكانت هي المرة الأولي التي تفعل بعد وفاة والديها , نزلت من منزلها مودعه خالتها ووقفت لتستقل سيارة أجرة الي محطة القطار , كان الوقت باكرا والشارع خاليا الا من بعض المارة , بعد فترة جاءت احدي السيارات فركبتها وطلبت من السائق أن يُسرع لتلحق بقطار السادسة.

في الطريق تعطلت السيارة واضطر السائق للتوقف قليلا لاصلاحها , وكانت الساعه قد قاربت علي السادسة , اضطربت هي كثيرا فالقطار علي وشك المغادرة.

عندما وصلت الي محطة القطار كان القطار قد غادرها , وقفت تنظر اليه في أسي ونزلت من عينيها عبرة سقطت علي الرصيف وتناثرت وكأنها كانت تحمل معها أملاً تناثرت أجزاؤه.

اتجهت الي شباك حجز التذاكر لحجز تذكرة في القطار التالي , وخرجت لتقضي الوقت في أحد المطاعم القريبة من المحطة , واتصلت بخالتها لتطمئنها.

قضت الوقت في قراءة الرواية حتي انها انتهت من قرائتها قبل الوقت , فقضت ما تبقي من وقت في التفكير.

لقد حاولت خداع القدر , كانت علي علم بأنه يستقل قطار السادسة ولكنها لم تتمكن من لقائه, بالتأكيد ليس مقدرا لها أن تلقاه مرة أخري , لقد لعب بها الخيال وألقاها علي طريق مسدود منذ بدايته , قررت أن تقص هذا اليوم من شريط ذكرياتها وأن تدفن ذلك الاحساس بقلبها.

________________

في التاسعة توجهت لمحطة القطار , ورغما عنها وجدت نفسها تنظر في أوجه الناس من حولها باحثة عنه , حتي وصلت الي القطار وجلست في مقعدها.

كان مقعدها بجوار النافذة هذه المرة, فأزاحت الستار وألقت برأسها علي ظهر المقعد في تعب تسترجع أحداث المرة السابقة.

انتبهت علي صوت سمعته من قبل , تعرفه جيدا , فتحت عيناها لتجده أمامها يقول

هل يُزعجك اذا جلست بجوار النافذة سيدتي؟

ابتسمت له في دهشة يخالطها شعور بالفرحة حتي كادت تقفز من مقعدها وقالت له

بالطبع لا.. ولكن ..كيف؟ ألست تستقل قطار السادسة؟

نعم ولكنني اليوم في مهمة خاصة بالعمل في ميعاد متأخر قليلا , كنت أشعر انني سأراكِ اليوم , ولكني لم أحسب انك ستكونين رائعة كذلك

تورد وجهها قليلاً خجلاً ثم قالت له

لقد انتهيت من الرواية اليوم وأنت الي أي فصل وصلت؟

مد يديه لتحتضن يديها بينهما ثم قال لها

وأنا أيضاً وصلت للفصل الأخير.. وبدأت السطر الأول في رواية جديدة

..

الثلاثاء، أغسطس 12، 2008

قلوب لا تعرف الحب





عفــــــــــــــوا أيها الحــــــــب
فقد نهبوا باسمــــــــــــك
خزائن الوفاء والاخلاص
وهدموا باسمـــــــــــــك
قصور العطف والانسانية

جردوك من ثياب الرحمة
وخلعوا عنك غطاء الحنان
وحاولوا دفنك بأرض اللا تسامح
حتي لم يبق منك -بينهم- سوي حرفين

فألقوا بك بين طرقات الضياع
وصرت شريدا لا بيت يؤويك
تتسكع علي أرصفة المدن
وفي الليل تغفو فوق مقاعد البؤساء
ترتعش من برودة مشاعرهم
وخوفا من ظلام أرواحهم

عفوا أيها الحب
فقد ماتت قلوب كنت تسكنها
وصرت يتيما تتناقله الأيادي
ولا يشعر به احد..!

______________________________________________


وكم من جرائم تُرتكب باسمك..!



لم يكن هو الغلطة الأولي بحياتها هو ربما نتاج غلطة كبري فالغلطات الصغري يمكن اخفائها أما هو, فهاهي تحمله بين يديها ..لذا لم يكن أمامها سوي تركه علي باب أقرب ملجأ

"هي:الحب سبب نكبتي , لأني احبه سأتركه لمن يهتمون به..!"

************
عندما سألوه كيف؟ أجاب هكذا ببساطة شديدة فالأمر يتطلب ذلك
وعندما سالوه لماذا؟ اجاب: لم اعد قادرا , زوجتي و أبنائي
وعندما حاولوا تذكيره بما فعلته معه من يومه الاول قال: هذا واجبها الذي خلقت من اجله هي لم تفعل ما تتفضل به عليّ وحفظا لجميلها حجزت لها بأكبر دار مسنين

"هو:أفعل هذا لأني احبها وأريد راحتها..!"

**************
لم يحسب أن يكونوا بهذا العدد ولم يكن يدري ان لحظات من المتعة سيترتب عليها كل هذا الحمل الثقيل
هم بالنسبة اليه ثمرة ضعفه وأخطاؤه ليسوا أكثر من عبيد يؤويهم بيته
لا يجرؤ أحدهم علي محادثته فحتي الان وبعد هذه السنوات لا يسمح لاي منهم بمناداته ب "أبي"

"هو: أقسو عليهم حبا فيهم وحرصا علي مستقبلهم , أريدهم رجالا..!"

**************

كان يجري محاولا الوصول قبل دخولها لا يدري سر سوء حظه فكل مرة يتاخر فيها يجدها هي في انتظارهفشلت محاولاته في الاعتذار لها هذه المرة أيضا نهرته امام زملائه وقامت بطرده من الفصلطلبت منه ان لا يعود مرة اخري الا بصحبة ولي امره

"هي:أحبهم و لكن لابد وأن اتصرف معهم بحزم ليتحملوا المسئولية..!"

**************

ربما كان موته هو القشة التي قسمت ظهر البعير وكشفت اغوار انفسهم ونواياهم
لم يكن خلافهم علي الميراث يحمل من معاني الاخوة سوي انهيارها

"هم:خلافنا شيء والحب بيننا شيء اخر..!"

**************

قبل سفره أوصاه باعماله وخطيبته وكيف لا وهو صديقه الصدوق هناك كان لا يشغل باله لانه كان يعتقد انه ترك مكانه رجلا في المرتبة الاولي وأخا في المرتبة الثانية
ولكن يوم عودته كان يومه الاخير بدنيانا فلم يحتمل هذه الصدمة الثلاثية
ضياع اعماله وخطيبته وصديق العمر

"هو:حافظت عليهما من الضياع في غيابك , فعلت ذلك حبا فيك فأنا وانت واحد..!"

****************

حاولت استعطافه بشتي الطرق ولكنه كان قرارا نهائيا فالقانون في صفه الان لم تستطع دموعها اذابة الجليد المتراكم بصدره لملمت اشيائها وخرجت بأبنائها الأربعة لا تدري اي مكان سيؤويهم بعد الان

"هو:لابد وان اجد لابني مكان يتزوج فيه , اعذريني فأنا أحبه..!"

***************

هي تعلم تماما عشقه لها وثقته اللامحدودة بها , يحمل قلبه من الحب والطيبة ما جعلها تبرر سبب خيانتها له بأنه : طيب جدا

"هي:أنا أفعل هذا حرصا علي مشاعره ومن اجل حبه لي..!"

*****************

دائما يلقاهم في طريقه الي اشغاله ولا يفهم سر ملاحقتهم له بهذا الصورة المثيرة للاشمئزاز
تستفزه كلماتهم , فلماذا يعطيهم وقد جمع كل هذا بمجهوده الشخصي , لم لا يتعبون مثله ويذوقوا الامرين كما فعل لا يجد مفرا سوي تسليط حراسه الشخصيين للنيل من هؤلاء المتسولين الاوغاد

"هو:يجب ان أقسو عليهم حرصا علي مصلحة البلد وحبا فيها..!"

*********************

يؤمن بانه خلق ليتمتع , يلقبونه بالدنجوان , هو لا يرغم فتاة علي مصاحبته كل ما يفعله محاولة ارضاء غرورها كما يقول هو لا يفي لانه لا يعد , هو فقط يستمتع بملاحقتهن

"هو:وماذا أفعل في نفسي , انه الحب , احبهن جميعا..!"

******************

حاول ارضائها بكل ما يملك ,بل حاول الوصول الي كل ما لا يملك فقط من اجلها
سالها باسم ما يجمع بينهما ان تصبر قليلا فهو لم يعدها وعدا الا وصدقها ولكنها هذه المرة رفضت الانتظار
اخبرته ان الحب والفقر لا يجتمعان

"هي: قراري هذا لاني أحبك , تستحق من هي افضل مني..!"

*********************

كيف تنتظر من قلوب لم تعرف الحب أن تتحدث معك بلغته؟

وكيف تنتظر من أناس يكرهون أنفسهم أن يمنحوا الحب لغيرهم؟

**

الجمعة، أغسطس 08، 2008

محاولات للبحث في عالمٍ اخر!


صِرتُ اُجالس الفراشــــــــــــات

وأُحلّق معهم بين الحدائقَ الخضراء

أستند الي وُريقات الأزهــــــــار

أحْكي لهــــــــــــــــا..

وأسْمع مِنهـــــــــــا..
.


رجعت الي عــــــــــــــالمِ الأساطير

لأسأل الأشجارَ الغريبة

وأبحث بين القصورَ المهجورة
َ
أختبيء بين الأميرات
َ
وأتنكّر في زِي الوصيفات
.
لأندسّ بين الأُمراء فأعرِف مِن أخبارك..
..
.

صِرتُ أمتطي الديناصورات

لتأخذني الي أبعــــــــــــــــــد أرض

حيث تُدفن الأسرار

ويختبيء الــــــــلاّ مُمكن

حيث الـــــــــلاّ بشر

والــــــــــــلاّ زمن
.

فأعبر حدود الزمـــــــــــــــان

لأعود الي بدايــــــــــــــةِ التقويم

وأُسافر من اليوم الأول

وحتي يومنا هذا

بحثاً واستكشافاً..
*
**

أصبحت لا أنتمي الي هذه الأرض

ولا أتبع قانونَ الجاذبية

أُحلق في سماءِ الكون البعيــــــــــــــــــدة

وأتنقّل بين النَّجمات العالية

أُصاحب تلك النَّجمـــــــــــــــة

وأتحدث الي تـِــــــــــلك..
..
.

صِرتُ أَلمس الأقــــــــمارَ النائمة

وأُوقظها لأسالها!

أو أرحل معها

في رحلةِ النومِ القمرية

وأتوه في عـــــــــــــــــالمِ الأحلام المُمكنة

والرُؤي المُستحيلة
.


أُحاول ان أعْرِف

مِن أَيـــــــــن أتيْت؟!

وكَــــــــــــــــــــــيف؟!

أحاول أن أكشف

سِـــــــــرّ اقتحامك عالمي

وهدم جميع أسواري..!

أُحاول أن أجد اجابات تساؤلاتي

في أرضٍ غير أرضي

وعالمٍ غير عالمي

فقد عَجز عالَمي عن استيعـــــــــابك!!
..

السبت، أغسطس 02، 2008

ازدواجية عشق المطر


اتفقا ان يتقابلا في الموعد المحدد , او الذي حددته هي بالطبع فهو عادة لا يفعل. لم تحدد مكاناً جديداً, فقط قالت له
--
"سأنتظرك حيث التقينا لأول مرة, اذا كنت لاتزل تذكر المكان , في السادسة , رجاء لا تتأخر ولا تتعلل بانشغالك ككل مرة , فالأمر هام".
ـ
لم تنتظر رداً منه بل انهت المكالمة قبل أن يتكلم هو.
. .

سأُفاتحه في الأمر.. تكلمنا كثيراً , بالطبع هو يدرك هدف المقابلة مسبقاً.. سيأتي؟ ربما لا , وماذا اذا لم يأت؟ حسنا هو بهذا ينهي كل شيء , واذا أتي؟ الأمر يعتمد علي كلامه , هل سيخذلني هذه المرة أيضاً؟ حسناً , خير لي أن أصل لنهاية الطريق من أن أقف وحيدة بمنتصفه.
--
كانت كل هذه الافكار تدور برأسها في طريقها الي الحديقة , حيث التقته للمرة الاولي. منذ ثلاثة أعوام, في مثل هذا اليوم , حين أنقذها هو من موت محقق.
--
يومها أمطرت السماء وهطلت عليها الأمطار ورغم حبها وعشقها للمطر الا انها اضطرت لأن تجري اختباء منه وخوفا علي ثيابها من البلل , فانزلقت قدماها وسقطت علي الأرض بينها وبين احدي السيارات القادمة سنتيمترات قليلة , وفوجئت به يرفعها من الأرض. لازالت تذكر اول ما قاله , حين سألها:
ـ
"لِمَ كنتِ تهربين من المطر؟"
ـ
لقد علّمها ان تعشق المطر وأن لا تختبيء منه بل وتستمتع بكل قطرة منه , فقد كان يقول لها دوما
.
"مَن أحب شيئا بحق لا يهرب منه بل يغرق فيه بكل كيانه"
_________________
_
كانت هنا البداية , فهل تكون هنا أيضاً النهاية؟
-
سؤال ألقته علي نفسها عندما دخلت الحديقة بخطوات تائهة. اتجهت لتجلس علي أحد المقاعد في انتظاره..
مرت نصف الساعه وهي تجلس تنتظره وهو تأخر كعادته , فجأة تحول الطقس, اختفت الشمس وظهرت بعض السحب الثقيلة في السماء , حتي بدأت السحب تلقي بأمطارها فوق رأسها.
-
لم تتحرك هي بل جلست مكانها بدون حراك فقد خافت ان تحركت ان تنزلق قدماها كالمرة السابقة , جلست وقطرات المطر تنقر جسدها واحدة تلو الاخري وهي تراقبها في تلذذ مرددة كلماته بصوت مرتعش :
-
"مَن أحب شيئا بحق لا يهرب منه بل يغرق فيه بكل كيانه".
__________________

في السابعة والنصف رأت شبح شخصا قادما من أمامها , لم تتبين ملامحه فقد كانت الأمطار والضباب أقوي من أن تنظر من خلالهما , ولكنها كانت تعلم أنه هو..
-
أتأخرت؟
--
تأخرت كثيراً
--
قالتها وهي تنظر الي أبعد ما كانت تصل اليه عيناها الحزينتان في الاتجاه الاخر
-
أسف .. فقد كنت مشغولاً لأقصي درجة , فقد تغيب أحد زملائي اليوم في العمل واضطررت لأخذ مكانه , ثم ... أنا... أعتذر مرة اخري.. أعلم أنني تأخرت.
-
قالها محاولا استجدائها بالصفح عنه.نظرت اليه غير مبالية بما يقول وقالت له:
-
أتعلم سبب وجودنا هنا اليوم؟
-
نظر من حوله بأرجاء الحديقة باحثا عن سبب في رأسه, ثم حاول رسم بسمة علي شفتيه لكسر حدة الموقف و قال:
-
بالتأكيد أردتِ استرجاع بعض ذكرياتنا , أليس كذلك؟!ولكن لِم اليوم بالتحديد وفي هذا الطقس السيء؟
-
أحقاً لا تدري لماذا؟
--
قالتها وقد نزلت كلماته عليها كصاعقة من السماء الملبدة بالغيوم , ناظرة اليه بعينين تائهتين تبحثان عن أي أمل في كلمة يقولها..
-
أكُنتِ علي علم بأنها ستُمطر اليوم , ألهذا السبب؟
--
نظرت اليه محاولة جمع أحرف كلمة تنطق بها , فقد كانت كلماته تحطم أي شيء يتجمع بعقلها , لم تكن تدري أتبكي لانه نسي يوم كهذا -وليست المرة الأولي- أم تضحك مما يقول..
-
لا لم أكن أعلم أنها ستمطر , ولكنها ربما اشارة من السماء
-
اشارة.. اشارة بماذا؟! لا افهم ما تعنين! كلامك يبدو غامضاً قليــ...
-
أتُحبنـــــــــــــــــــي؟!
-
قالتها فجأة وكأنها لم تسمع ما قاله , لم تقصد مفاجأته ولكنها كانت تخشي ما قد يفاجئها هو به
-
ماذا؟!! لم تجيبي سؤالي وماهــ... أووه... بالطبع... بالطبع أُحبك , تعلمين هذا جيداً ولكن لِمَ كل هذه الأسئلة؟
-
أتُريد الزواج بي؟!
--
مرت لحظة من الصمت , لم يتخللها سوي صوت اصطدام حبات المطر بسطح الأرض , قطعه هو بسيل من الكلمات المتتالية
-
حقاً لا أدري ما سر سعادتك بالجلوس تحت كل هذه الامطار , لقد ابتل وجهك وملابسك , ألا تشعرين بالبرد؟! تهذين بكلمات غريبة , وتسألين أسئلة أغرب, هيا بنا من هنا لنجلس في مكان أخر ونحتسي شرابا دافئا , فأنتِ في حاجة الي الدفء.
-
نعم , انا في حاجة الي الدفء , لأول مرة تُدرك ما أحتاجه , ولكنك أدركته متأخراً .. متأخراً جداً.. قل لي: ألست تعشق المطر؟!
-
نعم بالطبع أعشقه , تعلمين هذا جيدا
-
ألست تهيم حباً به , وتقول فيه القصائد وتتمني ان تمطر السماء كل يوم؟
-
نعم .. نعم .. أعلم كل هذا وانت أيضاً.. وما الجديد في ذلك؟
-
ألست انت من اخبرتني يوماً ان من أحب شيئاً بحق لا يهرب منه بل يغرق فيه بكل كيانه؟
-
نعم.. أنا لا أفهم ماذا فعل بك المطر اليوم تبدين أمامي وكأنك تهذين
-
تابعت كلامها غير مبالية بكل ما يقول ثم ألقت كلمتها الأخيرة قبل أن تتركه واقفاً بالحديقة وترحل:
-
اذاً لِمَ تُريدني أن اختبيء منه ؟ ولِمَ تختبيء منه أنت ؟ والي متي ستظل مختبئاً منه تحت هذه المظلة الحمقاء؟!
--